dimanche 3 avril 2011

العولمة الرأسمالية وصيرورة العالم العربي-الإسلامي

من المسلمات المعروفة اليوم أن إعادة سبك الطبقات الاجتماعية عالميا قد مكن من استمرار سيطرة النظام الرأسمالي. وقبل الخوض في دلالة الموضوع نود القول أن العولمة الرأسمالية نظام يخفي ، كما هو معروف، حقيقة الصراع الذي هو صراع طبقي تشكل بشكل جديد حيث أن الطبقات التي عرفها القرن العشرين قد عرفت اندماجا بين عدد من الطبقات والفئات لتتم إعادة السبك الطبقي التي أفرزت بفعل شروط الوضع الراهن، طبقتين نقيضتين : فهناك الطبقة التي سميناها ب "البورجوازية الرأسمالية العالمية الكبرى" التي أصبحت تتكون من فئة مهيمنة هي البورجوازية الأمريكية وفئات مسيطرة هي البورجوازية الأوربية واليابانية وبورجوازية وسيطة هي البورجوازية الروسية وفئات رهن الإشارة والسمع والطاعة هي كامبرادورية الجنوب ، ومن جهة أخرى الطبقة النقيض، التي سميناها ب "طبقة المقهورين العالمية الكبرى" التي تتكون من كل ما تبقى من طبقات وفئات القرن العشرين التي تجمع بينها مؤشرات الفقر والتهميش وبيع قوة العمل العضلي و الفكري على السواء . وفي نفس اتجاه تحديد المفاهيم لابد من إبراز الخلط الدية نجده في كتابات ودراسات متعددة بين مفهوم العولمة ومجموعة أخرى من المفاهيم التي يستخدمونها كمرادف لها والتي تحدث ارتباكا وغموضا والتباسا في دهن القارئ كمفاهيم "الوضع أو النظام الدولي الجديد" و"النظام العالمي الجديد". فبالنسبة للمفهوم الأول حدده غورباتشوف باعتباره النظام الدولي الذي تجاوز فترة الحرب الباردة والدي تتحدد بنيته في التخلص من أسلحة الدمار الشامل، توازن المصالح عوض توازن القوى وكدا تجاوز الصراعات الأيديولوجية؛ ثم حدده بعد دلك جورج بوش الأب إبان هجومه الوحشي على الشعب العراقي باعتباره النظام المبني على فكرة تسوية الصراعات باللجوء على الوسائل السلمية والتضامن الدولي واحترام حقوق الشعوب؛ وهو تعريف لم يعد أحد يجهل حقيقة وحشيته. أما مفهوم "النظام العالمي الجديد" فيقصد به كل المتغيرات والعوامل الجديدة التي تتخطى حدود الدولة باعتبارها منظومة علاقات تضم كلا من الدولة(النظام الدولي) ومختلف الفاعلين كالشركات متعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية..الخ ذات التأثير الممتد زمكانيا. أما مفهوم "العولمة" فيعرفه صندوق النقد الدولي في تقريره كالتالي:" العولمة تعني ترابط المصالح الاقتصادية للدول بناء على الاعتماد المتبادل لبعضها على البعض قصد توسيع وتنويع تبادل السلع والخدمات وتنشيط الرأسمال الدولي وتحقيق انتشار التقنيات الحديثة فيما بينها"1.

يستنبط من هدا التعريف أن العولمة هي النظام الأمثل لتحقيق العدالة الإنسانية. ومعلوم أن من أهم أواليات التحليل العلمي كون أن تحديد المفهوم يكون مرهونا بمستوى المرحلة التاريخية التي يمر بها نمط من أنماط الإنتاج وهو هنا نمط الإنتاج الرأسمالي الدية من أهم ثوابت منطقه الداخلي الاستغلال المتوحش. وهدا يعني أن العولمة من حيث المبدإ هي انتشار نمط معين من الملكية ونمط معين من السيطرة والتحكم في قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج ومن تم في التبادل والتوزيع. هدا وقد سبق أن وصفنا في دراسات لنا سنة1993 هده العولمة بالنظام الاستعماري الجديد الدية يقتضي منا المنطق تشريح طبيعة مكوناته.

من المسلم به أن نمط الإنتاج الرأسمالي العولمي له ثوابته ومتغيراته التي تشكل بنيته؛ وهي بنية عرفت أشكالا وصيغا مختلفة ومتعددة باختلاف وتعدد مراحل زمن وتناقضات هده البنية المجتمعية أو تلك وبالتالي مصالحها الداخلية والخارجية. ومن هنا نفهم دلالة ما سماه بالعولمة التي يقتضي نقيض تشكلها زوال علاقات الاستبداد واللاتكافؤ بين الدول،بل وبين الطبقات الذي في حالة تحققه داك، ستتقاطع المجتمعات البشرية مهما اختلفت أجناسها ودياناتها وتصوراتها حول مصلحة وتطلعات البشرية جمعاء؛ إلا أن حقيقة العولمة، كما حددها النظام الرأسمالي عكس دلك. فهي تتكلم شكلا عن علاقات التكافؤ، الدية تعني به ،في حقيقة الأمر، استبداد واستغلال الدول التي تفتقر القوة المادية وبالتالي السياسية والعسكرية والاجتماعية والثقافية؛ إنها إعادة احتلال العالم لكن هده المرة وفق صيغ جديدة تختلف عن سابقاتها، صيغ نعتتها بالسلمية في الوقت الدية نجد أنها تفرضها بممارستها الضغط الاقتصادي والمالي كتحكمها بالسلطة البنكية العالمية وصناديق الاقتراض ووضع وتوظيف المعلوميات في خدمة استراتيجيتها. هكذا فالعولمة هي صيغة جديدة لتبرير استعمار دول الجنوب ولتوضيح دلك بالشكل المطلوب سنعمل على تشريح بنيتها على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإيديولوجية. فمن حيث العولمة الاقتصادية نشهد تطور الشركات متعددة الجنسية من وضع كانت كان فيه الاعتماد على قانون التنافس إلى وضع أصبحت فيه هده الشركات الرأسمالية تشكل مركزا واحدا تقوم بتوجيهه وتنظيم العلاقة بين أطرافه في شكل تحالفات مبنية على قانون الصراع مع الانضباط لمبدإ الوحدة؛ صراع أخد شكل التنافس الدية اقتضت منه المرحلة إلزامية البحث عن آليات جديدة لخفض تكلفة الإنتاج التي ستمكنها من توسيع وغزو أسواق غيرها وبالتالي التمكن من تحديد أسعار موادها الاولية وكدا يدها العاملة الرخيصة. فتخفيض أسعار وتكلفة الإنتاج مكنت هده الشركات بالفعل من تقوية موقعها وتعزيزه عالميا. فهده العملية ساعدت وبررت الالتجاء للاختصاص بتأسيس فروع في دول متعددة تنتج سلعا تقوم بتصديرها إلى الشركة المركز مستفيدة على المستويين السياسي والقانوني من الإعفاءات الضريبية مرتين،الأولى هي الهروب من واجب دفع الجبايات في المجتمع الأصلي، والثانية هي الإعفاء من الواجب الضريبي والحرية في تصدير الفائض وفرض الظروف التي يرون ملاءمتها لتحقيق إنتاج أكثر وربح أعلى وتكلفة أقل وهي ظروف سماها أحد الباحثين وعن حق بظروف "الاستقرار الاستبدادي" حيث أن الظروف تلك إدا لم تصبح كذلك يمكن للشركة أن تغير مكان عمل فرعها باتجاه دولة أخرى دون أن يؤثر دلك على إنتاجيتها وإرباحها؛ ومعلوم أن شكل وحدة هده الشركات متعدية الجنسية قد اتخذ صيغا مختلفة من تحالفات قوت بعضها البعض وأضعفت بعضها الاخرالى قيام التكتلات الاقتصادية الإقليمية مثل السوق الاروبية المشتركة التي وحدت عملتها النقدية( اليورو) لتحقيق الاندماج بين اقتصادياتها فيما سموه بتكتل الاتحاد الاروبي، كذلك تكتلات في شكل مؤسسات مالية وتجارية واقتصادية ممثلة في منظمة التجارة العالمية باعتبارها المنظمة التي أصبحت تقوم بالتوجيه والإدارة والإشراف على الأنشطة التجارية العالمية؛ كذلك مؤسسة بنك وصندوق النقد الدوليين اللذين يقوما بنفس المهام السابقة الذكر بخصوص النظام المالي العالمي. هدا إضافة إلى التحالفات والاندماجات التي حدثت بين شركات مالية وصناعية وخدماتية في أمريكا واليابان واروبا.

إن الإستراتيجية التي تسير في اتجاهها هده الشركات متعدية الجنسية على المستوى الاقتصادي هي العمل على إعادة هيكلة والسيطرة والتحكم في رسم خريطة الاقتصاد العالمي خلال القرن الحالي حيث تعتبر الشركات متعدية الجنسية مسيطرة من حيث الناتج الإجمالي العلمي علي 84.7 في المائة ومن حيث التجارة الولية على 84.2 في المائة ومن حيث الادخار على 85.5 في المائة.

أما على المستوى السياسي ،فهل يمكننا القول إن تحقيق الوحدة الاقتصادية يعني في نفس ألان تحقيق الوحدة السياسية عالميا؟ لاشك أن هدا الوضع غير ممكن في الظروف الراهنة وأسباب دلك تكمن في أهم عنصر من عناصر علاقات النظام الرأسمالي المتمثلة في علاقة "اللاتكافؤ" داخل الرأسمال الموحد بين الفئات الثلاث المشكلة للطبقة الجديدة؛أو بلغة أخرى،لاتكافؤ يلعب لصالح الرأسمال القومي للولايات المتحدة الأمريكية مما يؤكد الحضور القوي للسياسة حماية للرأسمال القومي بمعنى أن الشركات الكبرى الأخرى والتي تلي الأمريكية من حيث القوة التراتبية هي بدورها ستعتمد سلطاتها السياسية القومية لتدعيم قدراتها والرفع منها لضمان فعالية المنافسة. وهده تجربة يعيشها ما يسمى بالاتحاد الاروبي حيث أن التنافس بين الشركات هناك أخد شكل أي الدول القومية هي التي ستسيطر:ألمانيا أم انجلترا أم فرنسا؟ وهدا ما يبرر لنا صحة الفرضية التي ندافع عنها:تحقيق وحدة المركز الرأسمالي على المستوى الاقتصادي سيبقى مصاحبا بالتعددية على المستوى السياسي( الدول)؛ تعددية تحتل فيها سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الدور المهيمن؛ هدا يعني أن التمركز الرأسمالي قد أصبح عالميا من خلال أنشطة الشركات متعدية الجنسية دون فقدان الارتباط بقوميته. وهدا يعني أننا أصبحنا أمام صيغة جديدة من التعددية السياسية بين دول المركز الرأسمالي وهي تعددية أخدت شكل "الانضباط" لقرارات الدولة المهيمنة التي تمكنت ، بفعل هيمنتها تلك، من التمتع بصلاحيات إعادة هيكلة النمط الرأسمالي وفق ما يتماشى ومصالحها.

هكذا ، فالعولمة لم تتمكن من خلق شروط انهيار الدولة القومية ونشوء الدولة السياسية العالمية الموحدة لقد تمكنت ،وبالفعل من تقليص صلاحيات الدولة القومية بنقلها من الوطنية المنغلقة إلى العالمية السياسية الأكثر توسعا؛ لقد كانت، وفق أدبيات ما قبل العولمة، هي الجهاز المسئول عن إصدار مختلف القرارات والتشريعات والبرامج التنموية الصناعية والزراعية والخدماتية؛ أما اليوم ،فقد أصبحت عبارة عن جزء داخل الكل الدية هو المنظومة العالمية بمعنى أنه لم تعد الدولة هي مركز الصياغات السياسية،كما كان أثناء الحداثة الأولى، بل أصبحت محكومة بشبكة من العلاقات، الهيمنة فيها للولايات المتحدة الأمريكية صاحبة مشروعية صياغة القرارات ومتابعة مراقبة تنفيذها في الدول تلك.

لقد انهار أهم مبدإ من مبادئ الدولة الوطنية أو دولة الحداثة الأولى والمتمثل في السيادة؛فواقعيا وعمليا الدولة لم تبق لها مشروعية الدفاع عن هدا المبدإ وحتى وإن ادعت دلك، فإنه يبقى على المستوى النظري فقط. لقد دخلت السياسة مرحلة جديدة تمثلت في مفهوم السياسة بلا حدود بمعنى الانتقال من التصور الحداثي الأول المتمثل في الفصل بين الوطني والعالمي إلى صيغة العالمي؛هدا إضافة إلى أن الدولة الوطنية، في ظل العولمة، أصبحت مقتنعة، نظرا للمتغيرات التي عرفها العالم اليوم،بأنه لم يعد بمقدورها داخل حدودها، اتخاذ القرارات لحل مشاكل مجتمعية متعددة ومتداخلة كالبطلة والفقر وكل الأزمات الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية المتفرعة عنها. لقد أصبح قانون الوجود في الألفية الثالثة، يفرض عليها طلب الإغاثة من المؤسسات والمنظمات الدولية مما يعني أن العولمة،وإن لم تستطع إقبار الدولة الوطنية،فقد استطاعت سلبها سيادتها الوطنية وبالتالي حريتها واستقلاليتها ومشروعيتها في اتخاذ قراراتها الوطنية وهو المؤشر الدية يعني أن التوجه العالمي العام يسير باتجاه المأسسة على المستوى العالمي.

أما على المستوى المجتمعي، فالعولمة تدعي تحرير الإنسان بنيويا، تحريره باعتباره طاقة إبداعية استفادت من المنجزات التقنية والمعلومياتية لتحسين سبل العيش الكريم والعادل والزيادة في الإنتاج وتخفيض تكاليف دلك؛ كما أن العولمة تدعي أنها قد تمكنت من تهيئ الشروط لبروز وتفعيل المنظمات غير الحكومية كقوة أصبح لها وزنا في الملتقيات والمؤتمرات الإقليمية والجهوية والعالمية كمنظمات حقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية ومنظمة الخضر...الخ، منظمات أصبحت تحظى بشرعية الاستقلال عن الدول الوطنية التي لم يبق لها القدرة ولا الصفة الشرعية في التحكم في برامجها وأنشطتها. إن هدا البروز وهدا التفعيل لهده المنظمات قد طور وأغنى ما يسمى بالمجتمع المدني العلمي الدية أصبح من بين حقوقه التي لم يعد ينازعه فيها أحد، مراقبة ومحاسبة أنشطة الدول في المجالات التي تهم الإنسان كالمحافظة علي البيئة والدفاع عن حقوق الإنسان والديموقراطية وغيرها. لهدا ، فالعولمة ترى أنها بخلقها كل هده الآليات قد نجحت في التحقيق الفعلي لمصلحة الإنسانية كالعناية والحق في التطبيب وتحرير المرأة وحماية الطفل ومحاربة الأمية وتطويق مصادر المخدرات ومحاصرة الجريمة وضمان نمو ديموغرافي متوازن وشروط معيشية إنسانية.

إدا كان هدا هو ادعاء العولمة الرأسمالية، فإن النتائج الفعلية لفلسفتها لا تعدو كونها تزييفا للواقع المجتمعي العام حيث أن أغنياء العالم وهم أقلية يسيطرون علي الناتج الإجمالي بنحو84.7 في المائة أما ما عداهم فهم أقوام فائضة يجب الاستغناء عنها. وتكدا نلاحظ ارتفاع نسبة البطالة والفقر وتدهور القوة الشرائية والتخطيط للتخلص من أنشطة وفعالية الدور النقابي وكدا الحقوق المكتسبة التي لم يعد،في نظرها، أدنى مبرر لوجودها في ظل العولمة الرأسمالية ما دامت قد أصبحت بمثابة آلية معرقلة لتحقيق النمو الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وبالتالي شل كل البرامج والمشاريع الطموحة. فحرية السوق في نظرها هي الآلية الصحيحة لتحقيق الرفاهية والعدالة لا القوى المناضلة من خلال إطاراتها النقابية والجمعوية وغيرها.

أما على مستوى العولمة الثقافية فالعولمة الرأسمالية ترى أنها تمكنت من تحقيق توحيد وربط وخلق التواصل بين مختلف مناطق العالم،حتى الأكثر انعزالا وانغلاقا منها سعيا لتحقيق وخلق التقارب بين الكائنات البشرية مهما اختلفت دياناتها وأجناسها ومواقعها المجتمعية في أفق خدمة مصالحها وتحسين وضعها. وبالمجمل، فقد تحقق التواصل في نظرها بين أفراد وجماعات ومجتمعات وحدت بينها لغة العولمة( المعلوميات) التي اخترقت الحدود الجغرافية المتجسدة في العلم على نشر ونقل الثقافة والمعرفة كحقوق الإنسان والديموقراطية والخصخصة وغيرها. كما أن هده العولمة الثقافية تدعي تأسيس وبناء عصر التثاقف والتنافس الثقافي الحر والشريف وبالتالي الإعلان عن الموت الفعلي للإيديولوجيات والثورات. هكذا فالإنسان في نظرها لم يعد في حاجة لممارسة الثورة والنضال لتحقيق التغيير ما داما قد أصبحا وبالملموس عبارة عن خدعة وعرقلة تطور المجتمعات؛ وفي هدا الاتجاه ادعت العولمة الرأسمالية تلك أنها تمكنت من تحقيق نظام مثالي لم يعد يحتوي لا ظلم ولا تسلط ولا قمع ولا استبداد ولا هضم لحقوق الإنسان مما يعني أنه لم يعد المطلوب اليوم من الإنسان سوى عملية "التكيف" مع القوانين الرأسمالية الديمقراطية والعادلة؛ والتكيف هدا يعني التنافس يعني الحق في ممارسة التنافس والصراع ولكن دون تكسير إطار الوحدة؛ وهده هي العملية التي أصبحت اليوم بمثابة القوة المحركة للتاريخ لا صراع الطبقات؛ لقد دخلنا ،كما تقول هده الثقافة، مرحلة جديدة ومتطورة من مراحل التطور البشري، مرحلة التواصل والتوحد في شكل ثقافة عالمية عملت على نشرها نخبة عالمية ثقافية جديدة لإعادة هيكلة العالم وتوحيده ثقافيا وكدا استثمار الآليات التكنولوجية الحديثة كالمعلوميات والأقمار الاصطناعية وغيرها؛ وهدا ،في نظرها، تحول جدري ساعد على تحقيق الإنتاج السريع للمعرفة والفكر والقيم وبالتالي التواصل السريع والمباشر للرفع من عملية الإنتاج وتلبية الحاجيات الضرورية والكمالية للبشرية جمعاء.

لكن، هل معنى هدا أننا بالفعل أمام مشهد ثقافي عالمي جديد يهدف خدمة الإنسانية جمعاء وتوحيدها في شكل عالم موحد ثقافيا؟ أم أننا أمام اعتداء وتنميط ثقافي يحدده ويقرره ويمارسه المركز الرأسمالي اعتمادا على آلياته المتطورة منها والجديدة كوسائل الإعلام والمعلوميات والمجالات البصرية والسمعية والمقروءة؟ كل هدا على الرغم من دفاعها الشكلي عن حق الشعوب في الاختلاف؛ بمعنى أن محدد شكل ومحتوى الثقافة الرأسمالية تلك هو إلحاح منطقها الداخلي على استنفار وتعبئة قدراتها على خلق الشروط الكفيلة بتحقيق أهداف المشاريع والاستثمارات الرأسمالية المركزية، وما عدا لايعتبر حقا في التنوع والاختلاف الثقافي أو الحضاري؛ فالعولمة الثقافية المقصودة أدن هي العولمة المتمثلة في النموذج الثقافي الغربي بصفة عامة والأمريكي بصفة خاصة؛إنها ثقافة الهيمنة والسيطرة هيمنة ثقافة المركز الرأسمالي على ثقافة الدول الكولونيالية قصد خلق واصطناع الصراعات بين الحضارات؛ بل وباعتبارها مكون من مكونات التطور الاقتصادي الرأسمالي، فهي تعمل على نشر ثقافة الاستلاب والاستهلاك لتتمكن من الوصول إلى قطاعات واسعة من الجماعات والمجتمعات كيفما كانت مواقعهم الاجتماعية وفي مجموع القارات. وهناك عدد كبير من الباحثين من يرى أن هده الثقافة تركز وتتوجه بشكل أكبر إلى الشباب بهدف تدجينه وتوحيده على المستوى العالمي بصفته أثارت الانتباه إلى أنها الأكثر تقبلا لتبني الثقافة تلك وبالتالي القوة الأكثر تقبلا لتبني الثقافة تلك وبالتالي الفئة المعتبرة كقوة شرائية ذات أهمية صاعدة تقبل بكثرة على الاستهلاك كأكل الوجبات السريعة والمشروبات الغازية وتحبيد الأغاني، أغاني "الكليب" الراقصة بإخراجها وديكورها الشبابي، وارتداء الملابس العالمية كالجينز وغيره..الخ وتكدا، فمند التسعينات، أصبحت الثقافة العالمية هده تعرف رواجا كبيرا مركزة على الاستلاب والاستهلاك وهو سلوك مصدره اتجاه محدد ومكان محدد وفلسفة محددة هي بالذات فلسفة المركز الرأسمالي المتجسدة قي الولايات المتحدة الأمريكية وهي إيديولوجيا تبنتها وتعمل على نشرها اليوم "نخبة كونية" تسعى بكل طاقتها إلى تنميط العادات والثقافات؛ إيديولوجيا تختزل الحريات في "حرية التعبير التجاري" وحقوق الإنسان في "حق التمتع بسيادة المستهلك".

من خلال ما سبق، تتضح لنا بنية ومكونات السلطة السياسية التي تمثل وبالكاد، البورجوازية الكامبرادورية العربية-الإسلامية التي تتحدد في كونها بنية متشكلة من فئات قطاعية متباينة اقتضى وعيها بمصالحها المشتركة الحرص على تقوية موقعها بالتطوير والتطعيم الداخليين والاستجابة الغير المشروطة لحاجيات النظام الرأسمالي المتوحش المسمى ب" العولمة" وبالتالي تشكلها البنيوي الجديد الذي فرضه عليها المنطق الداخلي للنظام الرأسمالي المتوحش داك؛ وبالتالي من البديهي أن يكون النمط الإنتاجي الدية أصبح سائدا في دول العلم العربي – الإسلامي هو الصورة المشوهة للنمط الرأسمالي والدي يمكننا أن نطلق عليه نمط الإنتاج الكولونيالي المتوحش؛ هدا وقد سبق أن وضحنا الوحشية تلك في معرض تحليلنا للعولمة في مؤلفات سابقة لنا. أدن طبقة تحددت مرجعياتها في نمط الإنتاج داك لن تكون في عمقها إلا طبقة متوحشة كذلك وبالأسلوب الجديد الذي فرضته البورجوازية الرأسمالية العالمية الكبرى. وتكدا فطبيعة العلاقة بين النظام الرأسمالي في شكله العولمي والسلطة السياسية العربية-الإسلامية،يتحدد، كما سبق القول، في استمرارية تعميق علاقة عدم التكافؤ بتطوير مقدماته ونتائجه وأبعاده التي تتلخص في النهب والاستبداد اعتمادا على التقسيم الوظيفي الطبقي الدولي المعولم والدي أسندت عملية تنفيذه وتحمل مسؤولية متابعة انجازه إلى الطبقة الكامبرادورية العربية-الإسلامية. إلا أن ما تجب الإشارة إليه هو أن مفهوم الطبقة الكامبرادورية كما ورد مرحلة الاستعمار وما بعد الاستعمار يختلف عن مفهومها مرحلة ما يسمى بالعولمة الرأسمالية. ففي هده المرحلة بالذات، نظرا للتقسيم الولي الجديد للمصالح الاقتصادية، لم تبق هده الطبقة بمثابة وكيل أو وسيط، بل أصبحت تحظى بصفة الشراكة، لكن وفق مبدإ اللاتكافؤ؛ واللاتكافؤ لا يفهم هنا كما كان في السابق باللاتكافؤ في الموارد الطبيعية والمالية فقط،بل وكذلك، وهو الأهم في عصر العولمة، باللاتكافؤ في الحصول على المعرفة وكدا المعلومات المعلوماتية، وهو ما يعني عدم قدرة الاقتصاد العربي –الإسلامي ترجمة كل دلك في شكل سلع يترتب عن تسويقها الحصول على الإرباح والفوائد وبالتالي التنمية الشمولية والمستدامة؛ وبمعنى آخر، فالتحولات التي كان يجب أن تطرأ على المستوى الاقتصادي العربي –الإسلامي في مرحلة العولمة ليس فقط هو تطوير مكوناته المادية والخدماتية المتمثلة في الإنتاج الصناعي والزراعي والمعادن النفطية والأملاك العقارية، بل وكذلك، وبالأساس، المكونات المعرفية من معلوماتية ومالية واستشارية وتكنولوجية؛ وهي تحولات تتجاوز قدرات وإمكانات الطبقة البورجوازية الكامبرادورية العربية-الإسلامية بفعل طبيعتها المعروفة بالتردد والعجز والجبن من جهة، وهيمنة النظام العولمي الرأسمالي المتوحش من جهة أخرى. لقد أصبح التطور الاقتصادي اليوم رهينا بمدى تأسيس وتشجيع مراكز الدراسات والأبحاث وكل الوسائل والأدوات التي يمكن إن تؤهل قدرات المجتمع على التنظيم والتسيير والتدبير وبالتالي الرفع من الكفاءة الإنتاجية وكدا الدور المسموح بلعبه داخل دائرة الإنتاج والتوزيع العالمي؛ إلا أن العولمة الرأسمالية قد ألغت شروط تحقيق دلك وفرضت ضرورة الانضباط الإنتاجي للقرارات والمعاهدات وفق قاعدة عدم التكافؤ من جهة ولجمه وتشويهه من جهة ثانية وتجاوزه بفعل التطورات التكنولوجية والمعلومياتية من جهة ثالثة.هكذا فالمستوى الاقتصادي العربي- الإسلامي في بداية الألفية الثالثة بقي اقتصادا راكدا، جامدا وموجها في جزء كبير من إنتاجه لتلبية حاجيات السوق الرأسمالي العالمي معتمدا هيكلة ومكونات تصنف اليوم ضمن ما أصبح يسمى بالإنتاج الاقتصادي التقليدي. فنجاعة قيمة المكونات الاقتصادية أصبحت تقاس اليوم بالمكون المعرفي الدية تنفرد السوق الرأسمالية العالمية باستغلاله وتوظيفه أيما توظيف للرفع من الإنتاجية بأقل التكاليف وبالتالي تحقيق الربح السريع الدية تسعى الشركات المتعدية الجنسية إلى تحقيقه وهو مكون يفتقده المستوى الاقتصادي العربي-الإسلامي بفعل مبدإ عدم التكافؤ. ولتصبح الصورة واضحة لنا بأهمية هدا المكون في عالمنا العربي-الإسلامي وبالتالي خطورة غيابه نقوم، وبشكل مختصر، بإبراز العناصر المكونة لبنية هدا المكون وهي عناصر تتمثل في التراكم التربوي والعلمي والتكنولوجي والتكويني وهي مكونات وعناصر يسميها الباحثون بالثروة الذكية( الرموز، الإشارات ،المعلومات...الخ) ؛ وكلنا نعلم مدى التخلف الدية يعيشه عالمنا العربي-الإسلامي بخصوص هده المكونات وبالتالي تطور تخلف اقتصاده المطالب بتقديم إجابات عملية لمعضلات العصر التي عمقها السوق الحر للعولمة كالفقر والندرة والتخلف والبطالة لإمكان دخوله مرحلة الديمقراطية بما فيها حقوق الإنسان والحريات العامة ومحاربة الاستبداد والدكتاتورية. ادن إدا كان هدا المكون المعرفي تعود أهميته على اقتصاد الدول الرأسمالية الغربية بالرخاء والوفرة والتقدم والاستقرار والتعاون والتضامن فإن نصيب اقتصاد الدول العربية-الإسلامية- وكدا دول الجنوب- من دلك هو تطور التخلف والتهميش وارتفاع نسبة البطالة والتقهقر في الا نتاج وإغراق أسواقها بالمنتوج الاقتصادي الرأسمالي الغربي دو الكلفة والجودة التي لايستطيع الإنتاج الاقتصادي العربي- الإسلامي منافستها كما ولا كيفا...الخ وأمام هدا الوضع الاقتصادي العلمي، فالسوق الاقتصادية العربية-الإسلامية تجد نفسها مبتزة أكثر فأكثر نظرا لطبيعة البنية الإنتاجية التقليدية والتابعة على المستويات الصناعية والزراعية والتجارية والإدارية والمالية والاستثمارية...الخ من جهة، والخضوع لمبدإ عدم التكافؤ من جهة ثانية؛ وهدا يعني ضعف البنية المؤسساتية الاقتصادية العربية-الإسلامية سواء الإنتاجية منها أو الإدارية والتنظيمية وبالتالي، وباللزوم، ضعف القدرة التسييرية والترشيدية والأخلاقية والمواطنية. إن هده العوالم مجتمعة والتي تتحدد مرجعياتها وتوجهاتها في البرنامج الذي تحدده الشركات المتعدية الجنسية، تجعلنا نستنتج أن أزمة الاقتصاد العربي-الإسلامي ستتعمق أكثر بفعل القبضة الحديدية للنظام الرأسمالي الدية ازدادت وحشيته حيث التحكم، وفق مقاييس جديدة، في الإنتاج والعرض والطلب وسلم الأسعار ووسائل النقل والمواصلات وغيرها من مكونات البنية الاقتصادية؛ وهدا برنامج اقتصادي رأسمالي يعني التخريب والتدهور والتخلف المتصاعد للسوق الاقتصادي العربي-الإسلامي وما لدلك من أثر تخريبي على المجتمع العربي- الإسلامي من جهة، ومن جهة أخرى الاستجابة لمطالب السوق الاقتصادي الرأسمالي العالمي بما يخدم مصالحه الآنية والمستقبلية وبأقل التكاليف في الوقت نفسه الدية نجده فيه يصدر إلى العالم العربي-الإسلامي سلعا وخدمات متطورة وبأسعار مرتفعة. وتكدا، يبرز لنا بوضوح تصاعد وتيرة الخلل واللاتكافؤ في بنية الاقتصاد العربي-الإسلامي خلال المرحلة الأولى من الألفية الثالثة.ّ

*مفكر مغربي