vendredi 29 juillet 2011

في طبيعة شروط فهم النظام الرأسمالي العولمي ما معنى الرأسمالية المتوحشة؟

لا شك أن نهاية القرن العشرين و بداية القرن الواحد و العشرين تتميز بكونها مرحلة انقلابات كثيرة بنيويا: فعلى المستوى السياسي عرف انهيار المنظومة الاشتراكية لنصبح أمام القطبية الواحدة المتمثلة في هيمنة المنظومة السياسية الرأسمالية المتوحشة المسماة "بالعولمة" و على المستوى الاقتصادي عرفت قوى و أدوات الإنتاج تطورا هائلا: فالابتكارات تنامت و القوى تأهلت أكثر إلا أن استثمار ذلك من طرف الرأسمالية المتوحشة قد تم بشكل يمس بكرامة الإنسانية ؛و على المستوى الاجتماعي أصبحنا و بالمكشوف أمام الداروينية الاجتماعية البقاء للأقوى كقانون اكتسى صبغة المشروعية و الاعتبار الأخلاقي في عصرنا الحالي ,و على المستوى البيولوجي أصبحت هناك قدرة على التأثير سلبا و إيجابا في هندسة الكائن البشري لتقوية جنس أو طرف اجتماعي معين و إلحاق الضعف بأجناس و أطراف اجتماعية أخرى؛ و على المستوى الفيزيائي تمكنت الرأسمالية المتوحشة من التحكم في طبيعة الذرة و ضبط القوانين المتحكمة فيها و قواعد تركيبها أو سبكها و كذا إيقاع حركتها و احتمالات مواقعها قصد خدمة جنس أو طرف مجتمعي معين و ترهيب أجناس أو أطراف مجتمعية أخرى، بل و الفتك بها. هذا هو منطق النظام الرأسمالي الحالي أو ما يسمى بالعولمة ،نظام يتميز بعنف الصراع، صراع أخد أشكالا ليست أشكاله الحقيقية، و تحدد وجوده في مجالات ليست مجالاته الحقيقية ؛ لذا غلف هذا الصراع اللاإنساني بأغلفة سماها أحيانا بالتضامن و أحيانا محاربة اللإستبداد و الديكتاتورية و أحيانا أخرى باسم الدفاع عن مبادئ الإنسانية و نشر الديمقراطية... إلخ.

انطلاقا من المعطيات السابقة الذكر، نرى أن هذه

التغيرات، تغيرات القرن الواحد و العشرين لا يمكن فهمها و استيعابها بالشكل الموضوعي و المسؤول إلا باستحضار جدلية الأدوات و المناهج العلمية بمعنى أن الفهم المطلوب لدينامية النظام الرأسمالي في شكله الحالي المتوحش يتعذر بدون تجديد و تحديد شكل و مضمون الجهاز المفاهيمي الذي له من القدرة الموضوعية ما يمكنه من كشف و إعادة صياغة القوانين المتحكمة في المجتمعات البشرية على مختلف مستوياتها. و عليه، فإن الفهم الصحيح، يقتضي، و بالضرورة، استحضار مفهوم نمط الإنتاج الرأسمالي الذي ازدادت شراسته اليوم.وهذا يقتضي، و بالضرورة، استحضار مفهوم الصراع الطبقي : فالقول بأن المجتمعات البشرية اليوم، كما تذهب إلى ذلك مجمل الأدبيات المعاصرة، هي مجتمعات لم يعد فيها للمفهوم الطبقي معنى هو قول مخلف ومشوه للواقع الفعلي لهذه المجتمعات الذي هو بالكاد، واقع طبقي حدده نمط الإنتاج الرأسمالي المتوحش الراهن في أشكال اختلفت عن الأشكال السابقة لتتصدد في شكل طبقتين نقيضتين جدليتي الشكل والمضمون : البورجوازية الرأسمالية العالمية الكبرى التي أصبحت تتكون من فئة مهيمنة هي البورجوازية الأمريكية، و فئات مسيطرة هي الفئات البورجوازية الأوربية و اليابانية و فئة وسيطة هي البورجوازية الروسية و فئة ذكية هي البورجوازية الكاميرادورية ؛ و في المقابل هناك الطبقة النقيض، طبقة المقهورين العالمية الكبرى التي تشكلت مكوناتها من كل ما تبقى من طبقات و فئات القرن العشرين. و هي طبقة واحدة رغم التباين الشكلي و النسبي بينها، طبقة تجمع بينها متغيرات الفقر و التهميش و بيع قوة العمل العضلي و الفكري على السواء وفق ما يرضي الطرف الطبقي الأول. هكذا يمكننا القول بأن كل التغيرات التي يعرفها الوضع العالمي الراهن من مصادر تمويل المشاريع و أصول الأموال و تغير أماكن الشغل و التطور التكنولوجي و المعلومياتي و التقلب المتزايد من عدد العمال عضليا و فكريا و ما استوجبه من إعادة في التخصصات و المهارات...الخ ، كل ذلك لم يحرر المجتمعات البشرية للقرن الواحد و العشرين من الوجود الطبقي، بل على العكس من ذلك سار في اتجاه الجرأة الداعية لتعميق وجوده و الزيادة من تفاحش ذلك.

استكمالا للتحديد المفاهيمي،تعتبر الدولة اليوم بمختلف مؤسساتها،جهازا أصبح يخضع لنفس التغيرات التي فرضها نمط الإنتاج الرأسمالي في شكله الحالي المتوحش،حيث أن وظيفتها الحالية تحددت في الإشراف على تنفيذ القرارات و التوصيات الصادرة عن المركز الرأسمالي المتوحش بقيادة البورجوازية الرأسمالية العالمية الكبرى.

إن كل هذه التغيرات و التقلبات المفاجئة و السريعة و المتسارعة جعلت عددا كبيرا من رجالات السياسة و الفكر اليوم يصابون بالحيرة و التردد و التسرع في إصدار الأحكام المتناقضة هنا و هناك و الدعوة العلنية لفكرة موت الطبقة و هم في ذلك يبرزون عدم قدرتهم على استيعاب و متابعة الضرورات الداخلية لنمط الإنتاج الرأسمالي المتوحش،بل و استسلامهم لتأثيرات و إكراهات نمط الإنتاج هذا الذين هم بالكاد ضحية استراتيجيته।

محمد بوجنال

مفكر مغربي

مكونات فلسفة النظام التعليمي بإسرائيل

من المسلمات المعروفة أن الصراع في الشرق الأوسط هو صراع دو أبعاد استراتيجية تهدف خدمة النظام الرأسمالي: فمن جهة تعتبر المنطقة ذات بعد جيو-سياسي هام ومن جهة أخرى تعتبر المنطقة الأكثر غنى بما يسمى بالذهب الأسود ، ناهيك عن نوعية الأراضي الزراعية والثروات السمكية.لهده الأسباب استعمر النظام الرأسمالي المنطقة وما زال للسيطرة عليها ونهبها وتدجين مواردها البشرية؛ ومن هنا نفهم معنى زرع كيان غريب بها لتأمين هده السيطرة وهو الكيان الصهيوني الدية شجعته بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية على احتلال فلسطين والاستيطان بها باعتبارها أرضا اغتصبت منه والآن وجب تحريرها؛ وبهذا استفاد هدا الكيان الصهيوني من النظام الرأسمالي ماديا وعسكريا وتنظيميا لاحتلال فلسطين وطرد وتشريد سكانها وبالتالي ممارسة الرقابة على المنطقة وإثبات التفوق معتمدا آليات متعددة موضوع دراستنا هده وهو النظام التعليمي.

لكن قبل مواجهة الموضوع داك،لابد من الوقوف على أهم مراحل تأسيس هدا الكيان الصهيوني؛ يقول تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية:"حدود الدولة الإسرائيلية ستكون حدودا موسعة لتشمل حدود دولتي داوود وسليمان، وأن حدودهما ستكون حسب الحاجة وازدياد المهاجرين". وتكدا فقد تضمن برنامجه الصهيوني ثلاثة محاور أهمها اقتحام الأرض والسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي أي تحرير الأراضي العربية التي هي أصلا أراضي داوود وسليمان بكل الوسائل التي من بينها العنف المنظم؛ ثانيها سياسة إعادة تشكيل شخصية الإسرائيلي الذي تعود الخوف والذل عندما كان تحت سيطرة دول أخري ببناء شخصية جديدة ليهودي جديد؛ثالثها نهج سياسة الحراسة التي تعني خلق فرق إسرائيلية للدفاع عن الأرض والاستيلاء على المزيد منها ومواجهة وقمع أي مقاومة عربية لحركة الاستيطان الإسرائيلي. هدا البرنامج هو البرنامج الذي تبنته كل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة معتمدة ما يسمى ب"تكنيك سياسة الأمر الواقع" بهدف خلق ما سموه ب"إسرائيل الكبرى": حدودها هي جيوشها، وجيوشها هي حدودها.إن تحقيق كل هدا تطلب التركيز على النظام التعليمي.

لقد تمكنت الدولة الصهيونية من تنظيم التعليم على أسس علمية سليمة واقتنعت أن قوتها وضمان إلحاق الهزيمة بالعرب تكمن في طبيعة وكثافة التكوين المعرفي لشعبها؛ وقد قال جاكوب كلاتزمان وهو من رجالات التربية المعروفين في إسرائيل:"التربية هي أيضا من مستلزمات الدفاع الوطني".ومن أولويات هده الجدولة مند عام 1948،إقامة وفرض قانون التعليم الإجباري والمجاني مند السنة الخامسة: سنة إجبارية في الروض وثمان سنوات في الابتدائي وهو قانون أخضع له الشباب المراهق(ما بين 14 و17 سنة) والدين لم ينهوا التعليم الابتدائي،قانون أثقل كاهل وزارة التربية الإسرائيلية بأعباء محو الأمية الابتدائية للشباب الدين لهم أقل من 17 سنة والدين لم يتمكنوا من متابعة الدروس لسبب من الأسباب. وتكدا فقد شرعت في تعليمهم بمؤسسات خاصة بغلاف زمني يومي يقدر ب 14 ساعة، مطالبة من أولياء أمورهم، إضافة إلى المجانية، رسما سمته:"رسوم خدمات خاصة" كالكنب والطعام والزي المدرسي إلى جانب التبرعات ومنح الأحزاب. ولقد حدد المشرع الصهيوني بوضوح ومسؤولية أهداف التعليم بضرورة اعتماد التقاليد الصهيونية واحترام الإمكانات والإنجازات العملية وحب الوطن وخدمة الدولة والتدرب على الأعمال الفلاحية ومختلف الحرف اليدوية والعمل على تحقيق على مبادئ الرواد الصهاينة الأوائل ليتحقق المجتمع الإسرائيلي القوي.

هده الإرادة العامة ترجمتها الوزارة إلى تفاصيل وأهداف سلوكية وضعتها بين أيدي المعلمين ليشرفوا على تحقيقها بجدية وحددت للمدرسة إنجاز أهم الوظائف: تقديم المعرفة، الإلمام بالتقاليد الإسرائيلية تعميق الشعور بالتعاطف والانتماء للأمة وبالتالي تحديد مواطنيه الطفل اليهودي الصغير في التالي: معرفة جغرافية دولته ومركزها في العالم، وحبه واستعداده للتبرع بخدماته حينما تتطلبها مصالح الدولة في المعامل والمدارس والجيش...الخ. وقد تمكنت مدارس الكيبوتز والمنظمات العمالية من غرس هده الأفكار المبنية على التبرع بالخبرة والوقت والمال من أجل خدمة إسرائيل عن طريق الندوات ومختلف الأنشطة.

ومعلوم أن شرط نجاعة أي نظام تعليمي تستلزم نجاع العلاقات بين مكونات بنيته من موارد مالية وبشرية وتشريعية. وهكذا، فمن القواعد المعروفة على المستوى العالمي قاعدة: لا تعليم بدون موارد مالية؛ وبدلك فحجم الميزانية المخصصة لوزارة المعارف تأتي مباشرة بعد الميزانية المخصصة لوزارة الحرب الإسرائيلية. لقد ركز النظام التعليمي الصهيوني على هدا الشرط في كل المستويات: فعلى مستوى دور الحضانة يقوم بالإشراف عليها وتمويلها المنظمات الخاصة والأحزاب بشكل مباشر وغير مباشر، وهناك دور الحضانة من نوع معين تأوي الأطفال المحتاجين إلى تربية خاصة؛ أما البت الإذاعي المدرسي بالمرحلة الابتدائية فالدولة هي التي تقوم بتمويله مع ملحوظة أنه قد تم بناء محطة تلفزيونية خاصة بالتعليم وتبث برامجها على قناة خاصة منفصلة عن محطة تلفزيون الدولة من طرف مؤسسة روتشيلد. أما فيما يخص الثانويات الفلاحية فقد كانت تمولها الدولةالتي كانت تتبنى مبدأ التخفيف من الرسوم المدرسية على كل التلاميذ الدين يتابعون دراستهم بالمؤسسات الداخلية المتواجدة بالريف؛ فهناك 36 مؤسسة فلاحية تتحمل الوزارة تمويل 10 مدارس منها والباقي تقوم فقط بالإشراف عليه إداريا ومنهجيا؛ أما الجهات الممولة لها فهي المنظمات والأحزاب الدينية وفي الآونة الأخيرة"منظمات نسائية صهيونية". هدا وتقوم بتمويل المعاهد والمدارس الدينية كل من وزارة الشؤون الدينية وعدد من المنظمات العالمية الصهيونية؛ وعلى وجه التدقيق، فالأندية المتواجدة بالمدارس الابتدائية ومراكز القطاع الشبابي ومختلف الأندية العلمية فتتكفل بتمويلها وزارة التربية في حين أن تدريس وتعليم الأطفال الثقافة الدينية اليهودية وتقاليدها وعاداتها ودروس التذكير بكل أنواع السلوكيات التي مارسها عليهم المسيحيون والمسلمون من احتقار وإهانة...الخ، وهو ما سموه ب"برنامج الوعي اليهودي"، فيتكفل بتمويله كل من وزارة التربية ووزارة الشؤون الدينية علما بأن هده الأخيرة هي التي تقترح البرامج التعليمية والمصادقة على دلك من طرف مجالسها وكدا تزويدها بالمعلمين.

ولقد سبق أن قلنا أن الميزانية المخصصة لقطاع التعليم تأتي في المرتبة الثانية بعد الدفاع علما بأن الميزانية تلك مستقلة عن النفقات المتعلقة بالمباني المدرسية بمعنى أن ميزانية ترميم وبناء المدارس يتم الحصول عليها نتم ويل من مصادر خارجية كاليناصيب الوطني ووزارة الإسكان والمنظمة الدولية اليهودية للتربية التي أسسها أبا إيبان سنة 1966 بنيويورك، ومنظمة الأصدقاء التي تكفلت بتحمل مسؤولية مدارس محددة تمولها مباشرة كمجرسة" أورت"،منظمة الكيبوتز التي لا تعتمد في تمويلها على الوزارة الوصية بقدر ما تعتمد على مصادر خارجية كالأحزاب السياسية أو المنظمات اليهودية والصهيونية العالمية؛ لكن تجدر الإشارة إلى أن الوزارة تلك مسئولة عن تمويل التعليم الابتدائي والمساعدة المالية في التعليم الثانوي حسب عدد التلاميذ محترمة نسبة المساعدة التي يجب أن تدفعها لهم لو كانوا خارج مدارس الكيبوتز وهو بند من البنود القانونية التي تنص على إلزامية مساعدة تلاميذ هده المستويات التعليمية؛ كما أنها هي التي تقوم بتعيين 50 في المائة من مجموع المعلمين مع تحمل مسؤولية دفع رواتبهم؛أما 50 في المائة الباقية فيعينها الكيبوتز مع تحمل مسؤولية دفع رواتبهم؛ وقس على دلك التعليم الجامعي الدية تحظى ميزانيته بأكثر من 35 بالمائة كتمويل من المصادر الخارجية؛ يضاف إلى هده المصادر كلها مصادر أخرى كالمنظمات المحلية.

على العموم، فالميزانية العامة قد استفادت بشكل كبير من مساندة الرأسمال المالي العالمي التي اتخذت أشكالا متباينة من بينها شكل التبرعات والمساعدات الهامة لهدا الكيان الصهيوني الإسرائيلي خصوصا منها المنظمات العالمية الموجودة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوربا الغربية علما بأن هناك مصادر تمويلية خاصة خارجية أخرى للمعاهد والمدارس الدينية كحركة المزراحي في أمريكا. وحسب تقرير عدد من المؤسسات فإن أكثر من نصف ميزانية وزارة التربية بإسرائيل ترجع إلي مصادر رأسمالية خارجية تقوم بالتحسيس والدعوة لها مؤسسات الوكالة اليهودية وكل المؤسسات المتعاطفة معها لسبب من الأسباب.

أما فيما يخص الموارد البشرية، فإن وزارة التربية هي التي تتحمل مسؤولية تعيين المعلمين لمستويات روض الأطفال والتعليم الابتدائي ومعاهد المعلمين وهي مستويات عانت من خصاص المعلمين الذي تم التغلب عليه بإعطائهم تكوينا لمدة ستة أشهر بعها يلتحقون للتدريس بالمدارس.

أما على مستوى الثوابت التعليمية لدى الكيان الإسرائيلي من حيث التشريع، فالمعلمون مطالبون بالتدريب في معاهد لمدة تتراوح بين السنتين إلى ثلاث سنوات حسب المستوى الذي يدرسون به على أن الحد الأدنى للقبول بمعهد المعلمين هو الحصول على شهادة البكالوريا كيفما كانت ميزتها،هدا دون نسيان أن الخصاص يفرض على بعض المعاهد تقبل طلاب لم يتمكنوا من الحصول على هده الشهادة وتعويض دلك بدعم وتكوين يعطى لهم في مدة تتراوح ما بين سنة وسنتين. أما فيما يخص مستوى المرحلة الإعدادية والثانوية فالتدريب يستغرق ثلاث سنوات يدرس خلالها المتدرب برنامجا عاما وتخصصا في مادة محددة يختارها بناء على ميولاته واستعداداته الشخصية.

بناء على ما سبق طرحه، تحددت طبيعة برامج هدا النظام التعليمي في العمل على تجدر تحقيق البناء البشري القوي وتحقيق الاندماج والوحدة وتشجيع التطرف الديني بالإعتراف بمؤسساته وتدعيمها وإعطائها الصلاحية وفي نفس الوقت تشجيع الطرف الآخر على تجدر وتعميق العقلانية والمعرفة التكنولوجية والمعلومياتية والانضباط لمعايير ومقاييس المنظومة العلمية. أدن البرامج والمناهج الدراسية، كما سنرى فيما بعد، تتضمن تشجيع انفعال التيار الأول باستغلال عواطفه الدينية وإعطاء كل الإمكانيات المادية والمعرفية للطرف الثاني لتحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي؛ وكلا التيارين في البرامج الدراسية يركز على تحقيق الرقي بالموارد البشرية اليهودية على أساس أن بين الاثنين تقاطع يتمثل في الارتباط بالأرض وحب الوطن وتعزيز النزعة العسكرية وتمجيد اللغة العبرية. هده النزعة الفلسفية ترتكز على ثلاث دعامات:

أ- الدين اليهودي لشحنهم بالإيمان بفرادة دينهم وأحقيتهم الإلهية في أرض أجدادهم التي منها فلسطين

ب- الحضارة الغربية بعقلانيتها العلمية بالتركيز على الرياضيات والفيزياء النظرية والتطبيقية وعلوم الحياة خصوصا المجالات الحيوية منها كاستغلال الأرض...

ج-أهمية العمل المنتج كمؤشر على قدرات الموارد البشرية اليهودية على المواجهة والتحدي والتكيف مع مستجدات المرحلة والعصر لتحقيق التحول من الإسرائيلي المقهور إلى الإسرائيلي القهار( نظرية الاصطفاء).

تتساوى في الفلسفة السابقة الذكر برامج ومناهج مستويات دور الحضانة والمستوى الابتدائي والإعدادي والثانوي ومدارس التكوين المهني:

1- مرحلة الحضانة: تستقبل هده المؤسسات الأطفال الصغار الدين يستفيدون من خدمات مجانية لمدة سنة ونصف. وتتضمن البرامج الطقوس والمعتقدات اليهودية التي تخص مختلف أعيادهم والتركيز الأولي على تلقينهم جغرافية فلسطين ومناخها وربط تجاربهم وما يعيشونه يوميا بالرياضيات والعلوم والطبيعيات والإنسانيات. هدا وقد كان هناك إصرار على ضرورة وإلزامية مشاركة الآباء في العملية التعليمية في هده المرحلة ووضع برامج ومناهج خاصة بين أيديهم يتحملون مسؤولية تنفيذها.

2- مرحلة التعليم الابتدائي:فيه ركزت إسرائيل على مناهج وبرامج هده المرحلة لأنها الأساس والأهم في إعداد الشخصية الإسرائيلية وبدلك اعتبرتها مرحلة إلزامية تستغرق تسع سنوات يتلقى الأطفال خلالها مناهج تشحنهم بالحقد والكراهية تجاه العرب على الخصوص؛ لدا نجد أن الكتب المدرسية تتضمن عبارات من قبيل"أرض إسرائيل" كتعبير ديني و" دولة إسرائيل" كتعبير سياسي لتحقيق محو فكرة"أرض فلسطين" واستبدالها ب"أرض إسرائيل" ليتحقق الهدف وهو أن فلسطين لا وجود لها أصلا. وبدلك يتلقى التلميذ التمييز الذي تقيمه المناهج بين ما تسميه "أرض إسرائيل" و"دولة إسرائيل" ؛ التعبير الأول يدل على أن ارض إسرائيل كانت قديمة كانت في ملك داوود وسليمان؛أما التعبير الثاني فيدل على بناء الدولة على جزء فقط من "أرض إسرائيل" وما الاستيطان سوى تنفيذ الوعد الإلهي بالعودة إلى "أرض لإسرائيل". ومن هنا نفهم التسميات التي أطلقتها الدولة الإسرائيلية على المناطق الفلسطينية: منطقة الجليل العربية:"حبرون"؛ الضفة الغربية وغزة:"يهود والسامرا"...الخ.كذلك نجد بهده المناهج تواتر وتردد صيغة:أرض بلا شعب وشعب بلا أرض"،لتبرر المناهج تلك مشروعية عبارة"أرض إسرائيل" دون أية إشارة إلى وجود "شعب فلسطيني" يمتلك هده الأرض. فكل ما هناك أن هده الأرض كما ورد في المناهج، كانت خاضعة للاحتلال البريطاني الدية قاوموه إلى حد الحصول على الاستقلال الدية أسسوا بعده مباشرة دولتهم عام 1948. وتتكلم هده المناهج عن ما سموه ب"جيل الرواد الأوائل" الدية عمل على ترسيخ وجود جذور الوجود اليهودي في دماغ الجيل الجديد وتذكيرهم بأنهم مهددون على الدوام لحفزهم أكثر فأكثر على تعميق رابطة التضامن والتعاطف وتنظيم الصفوف والاعتناء بالتربية الجسدية لبناء الفتوة اليهودية لإظهار أمجاد وبطولات اليهود عبر التاريخ؛ وبدلك فالبرامج الدراسية هده تحث الأجيال الجديدة على بناء دولة جديدة استنادا إلى قوة ماضيهم؛ ومن هنا طرحهم ما سموه ب "تحرير الأرض": فالتي حررت تم نقلها إلى أصحابها "اليهود"، أما التي ما زالت فلا بد من تحريرها في يوم ما بمعنى أن محتوى الدرس التعليمي هنا هو تعليم التلاميذ أن الأرض اليهودية هده هي" أرض محررة "وليست أرضا محتلة.

أما المرحلة الثانوية فتتكون من أربعة أنواع تعليمية: الأكاديمي العام والصناعي والزراعي والشامل العام

الثانوية الأكاديمية: برامجها تركز على المواد العلمية والاجتماعيات واللغات متأثرة في دلك ببرامج الثانويات في الدول الأوربية ؛أما الثانوية الصناعية ف40% من المناهج الدراسية بها هي نفسها التي تدرس بالأكاديمية(الرياضيات والفيزياء) والاجتماعيات (جغرافية فلسطين وتاريخ اليهود). ويتألف البرنامج أو المنهاج الدراسي، إضافة إلى ما سبق ذكره،من المواد التالية: التدريب العملي(20 حصة) ،التوراة(24 حصة)،العبرية(24 حصة)، الإنجليزية (24حصة) ،التربية المدنية(24حصة)؛هدا دون نسيان البرامج المتعلقة بالحرف والمهن التي يحتاجها المجتمع الإسرائيلي كالكهربة والخياطة وإصلاح الآلات المنزلية...الخ؛ أما الثانوية الزراعية فيتم التركيز في برامجها الدراسية على فهم مكونات التربة وقدرتها على العطاء وكميات وجودة المياه وكيفية تربية مختلف الحيوانات من بقر وأغنام ودجاج...الخ والتعرف على أنواع النباتات وشروط زراعتها وتقوية منتوجها والتدرب على استخدام الآلات الزراعية كالجرارات وغيرها؛ وكل هدا يتطلب بطبيعة الحال أن يتضمن المنهاج الدراسي المواد العلمية كالفيزياء والكيمياء والرياضيات والطبيعيات،إضافة إلى تدريس العبرية واللغات الأجنبية والاجتماعيات والتوراة.

هدا وتجدر الإشارة إلى أن وزارة التربية تقوم بدورها بتنظيم وتمويل خدمات تربوية سميت ب"العامة" أسندت إلى مراكز تعمل باستقلالية من داخل المدارس،خدمات هي عبارة عن برامج تكميلية في الحقل التعليمي وهي كالتالي:

أ-التربية اللامنهجية:برنامجها يتضمن إنشاء الأندية بالمدارس ومراكز الشباب.هدا وتقوم هده المراكز بالتزويد المنتظم لهده الأندية بنشرات ومجلات يكتبها وينتجها الأطفال الصغار.

ب-مركز الوعي اليهودي:يهتم في برامجه بالثقافة اليهودية التي يجب أن توجه للأطفال الصغاركالطقوس والعادات والتقاليد اليهودية ؛ ويتضمن هدا البرنامج الدراسي: تعلم طريقة قراءة التلمود ومناهج تفسيره وتعلم الترتيل وكيفية أداء الصلاة وتلقينهم الفكر اليهودي؛ وبلغة أخرى، يمكن القول بأن هده البرامج والمناهج تقوم بالسهر على تعليم الأطفال، مند صغرهم، كره العرب وكره كل الأجناس التي لقوا على أيديها ،في نظرهم، أشكال الذل والاضطهاد. وهدا مركز تقوم بتمويله وزارتي التربية ووزارة الشؤون الدينية، بأن هده الأخيرة هي التي تزوده وتغني برامجه بالمقررات والبرامج التعليمية.

ج-مراكز المناهج والبرامج:يتشكل هدا المركز من ثماني فروع بوزارة التربية يتحدد اختصاصه في تخطيط المناهج ووضع دراسات تقويمية له لتغييرها بما يناسب التغييرات والتطورات التي يعرفها المجال الصناعي والتكنولوجي ولفلاحي والمهني في العصر الحديث. كما أن اختصاصه يؤهله لمراجعة الكتب وإعادة صياغتها بالعمل والتعامل مع كليات التربية وعاهد تكوين المعلمين.

ونظرا لأهمية الموضوع لما لنظام التعليم الإسرائيلي من أهمية في خلق الشخصية الإسرائيلية المدنية والعسكرية على السواء القادرة على اغتصاب الأراضي الفلسطينية وإلحاق الهزائم المتوالية بالقيادات والشعوب العربية على السواء وخاصة الفلسطينية منها أن نعطي نموذجا من نماذج النظام التعليمي الإسرائيلي لتتضح لنا خطورة النظام التعليمي وأهميته في بناء الشعوب؛ هدا النموذج يجسده ما يسمى ب"جماعة الكيبوتز الإسرائيلية:فكيف يتم تمويل وتشريع وتكوين وضمان وجود الموارد البشرية والبرامج الدراسية في تصور هده الجماعة لتأسيس أركان قيام الدولة الإسرائيلية؟

الكيبوتز نظام تعليمي مبني على فكرة التضامن والتعاون؛ قام بتأسيسها مجموعة من اليهود تبنوا شعار:"العمل البدني والعودة إلى الأرض هما قاعدة بناء الوطن".فالتعليم لدى الكيبوتز باعتباره نظاما جماعيا حيث يعيش الأطفال بشكل جماعي في دور الحضانة تحت رعاية وتنشئة مربيات دون أن يكون للوالدين أي دخل في تربيتهم لأن إعادة صياغة المجتمع تقتضي،في نظره،إعادة صياغة الفرد وهو ما يسمى بالفصل الجسدي بين الآباء والأطفال. إلا أن الكيبوتز يرى أن هدا الفصل غير كاف لتحرير الأطفال من السلطة الأبوية، فتحطيم السلطة يقتضي كذلك تحرير الأطفال من الاعتماد المالي والاقتصادي علي الآباء،ليصبح الاعتماد الاقتصادي داك مسؤولية الكيبوتز كالثياب والأكل والسكن والعلاج؛ وبالتالي فكل الأطفال يتلقون نفس البرنامج على يد نفس المربيات ونفس الطعام ونفس الملابس ونفس الألعاب والتداريب. ومعلوم أن جماعة الكيبوتز قد تأثرت ببعض النظريات التربوية التي انتشرت في أرويا بعد الحرب العالمية الأولى والتي ارتكزت على ثلاثة مبادئ:

1-ضرورة الانتقال من نمط التعليم النظامي إلى نمط المعرفة المستمدة من الحياة.

2-ضرورة الانتقال من النمط القائم على الطاعة العمياء إلى النمط القائم على التجديد والإبداع والحرية.

3-الانتقال من الاكتفاء بالكتاب إلى إعطاء الإعتبارللعمل الجسدي

بناء على ما سبق فقد تبنى الكيبوتز بدوره أربعة مبادئ تربوية:

أ-المدارس بمختلف مستوياتها ليست مدارس تعليمية فقط،بل وكذلك هي مجتمع متكامل ومجال لممارسة مختلف الأنشطة سواء الدراسية منها أو الاجتماعية أو المعرفية أو الترفيهية.

ب-النظام التعليمي يقتضي تحفيز العامل الداخلي للأطفال والتلاميذ عوض التحفيز الخارجي المتمثل في الامتحانات.

ج-العمل على تشجيع الفردية وإعطاء الفرص لإبراز الشخصية.

د-إفهام الطفل أو التلميذ كل المشكلات والأخطار التي تهدد إسرائيل.

هده المبادئ تستند إلى فلسفة تعليمية محددة تتمثل في عدم الفصل بين التعليم(الدروس) والتنشئة (تنمية الشخصية) على اعتبار أنهما مكملين لبعضهما البعض. هدا ويؤخذ الأطفال مند الرضاعة إلى دار الأطفال حيث يبدؤون بتعلم الحياة الجماعية ويبقون منتمين إليها حتى السنة الثمانية عشرة من عمرهم. وعند بلوغ الطفل الرضيع ما بين 12 و15 شهرا، ينقل إلى دار الأطفال حتى السن الثالثة من عمرهم؛ وهي مؤسسة مجهزة بكل الأدوات التي يحتاجها الأطفال في مثل هدا العمر والدين تتكفل بهم مربية يقع على عاتقها كل المسؤولية في رعايتهم وتعويدهم النظافة الذاتية وتنظيف ملابسهم وأسرتهم وتوجههم أثناء اللعب وتساعدهم على تجاوز العمل العفوي إلى الأعمال والأنشطة التعاونية والمنظمة.حتى بلوغهم السنة الرابعة يتم نقلهم إلى الروضة حيث تضم كل غرفة ثلاثة أطفال حتى السنة السابعة ويتحمل مسئوليتهم مجرس ومربيتان. فالمدرس يسهر على توجيههم ومساعدتهم على تعلم استثمار قدراتهم وإخراجهم ومصاحبتهم إلى عالم الشغل بمعنى القيام بزيارات ميدانية إلى وحدات الإنتاج حيث يبدأ الأطفال بأنفسهم العمل والإنتاج؛ وتقوم المربيتين، بالإضافة إلى نظافة الملابس والغرف، بتعليمهم العناية بالحدائق أمام المنازل والرفق بالحيوان وتكليفهم بالأعمال في مستواهم كغسل الصحون وتنظيف المائدة...الخ لتمكينهم من تمثل النظام. وبعد السنة السابعة يتم نقل الأطفال إلى المدارس الابتدائية إلى حدود السنة الثانية عشر حيث الإقامة والحجرات الدراسية؛ وتضم غرف النوم ثلاثة إلى أربعة أطفال أما حجرات الدراسة فذات مساحات كبيرة تستجيب لتحقيق أهداف متنوعة إذ يمكن أن تستخدم كأماكن للترفيه أوللإجتماعات أو للحفلات. وفي هده المرحلة يبدأ دور المربية في الانخفاض في الوقت الدية يبدأ فيه بروز دور المعلم أكثر فأكثرليصبح المسئول الأول عن تطور وعي التلميذ والرفع من معنوياته. أما الدراسة بالفصل فتتحدد من أربع إلى ست ساعات في اليوم لمدة ستة أيام أسبوعيا وتنتهي مع الظهر. فالمجموعة أدن تشكل المرجع بالنسبة لبعضها البعض وأنها آلية ضبط للنظام والسلوك والعمل. ففي هده المرحلة الابتدائية يشجع البرنامج الدراسي للتلميذ على التركيز على المواضيع التي تثير انتباهه وكدا المساهمة بشكل إيجابي داخل المجموعة وهي العملية التي تتطلب من المدرس بدل مجهود كبير لأنه المسئول والمطالب بالتحقيق الفعلي لدلك. أما تقسيم البرنامج إلى وحدات فقد تم الانتقال من التقسيم التقليدي المستند على "المادة" أو "الموضوع" لأن الواقع لايعرف دلك التقسيم، إلى اعتماد ما يسمى "المشروع" الذي يساهم في إعداده التلاميذ حسب قدرتهم واهتمامهم؛ هدا الأسلوب يعني أن الدراسة الحقيقية والمنتجة هي الدراسة المستمدة من كيفية تصور التلميذ لمحيطه ومن الحياة بشكل مباشر، فتتم بدلك عملية معالجة الموضوع من جميع جهاته بغلاف زمني يستغرق ما بين أسبوعين إلى ستة أسابيع حسب الأهمية. ويحدد "المشروع" هده المواضيع كالتالي: المزارع ،الغابة، القمح،الخبز،طرق المواصلات،الأجداد ومملكة إسرائيل القديمة. وانطلاقا من هدها النوع التأسيسي والتوجيهي تتم معالجة هده المواضيع البيولوجية والطرقية والتاريخية والأدبية...الخ بربطها جدليا بقضايا الحياة اليومية للتلاميذ. وأسلوب "المشروع" هدا،نظرا لاستبعاده أسلوب الامتحانات، لايعني إمكانية عدم اهتمام التلاميذ بالدراسة،بل على العكس من دلك، يقوم الكيبوتز بتحسيسهم بأن الدراسة واجب وطني واجتماعي مقدسين وان إهمالها أو تعطيل سيرها يعتبر بمثابة خيانة وطنية واجتماعية. وبالفعل أصبح للتلاميذ اهتمام إيجابي بالدراسة بحيث أن إنهاء كل "مشروع" أو كل "وحدة سياسية"يتوج بإقامة حفل تعرض فيه الجماعة التلاميدية ملخصا عن"مشروعها" مع إعطاء الصلاحية لمن أراد من التلاميذ التعبير عن الإيجابيات التي مكنه المشرع من امتلاكها.

بعد المرحلة الابتدائية يتم نقل التلميذ إلى المدرسة الثانوية (الموساد) حتى سن الثمانية عشرة. وتحتضن الموساد 200 تلميذا يتكفل بتدريسهم وتوجيههم والعناية بأحوالهم ثمانية وعشرون مدرسا وموجها ومربية. ويفرض المنهج الدراسي على التلاميذ في هده المرحلة العمل لمدة ثلاث ساعات يوميا في جميع الفروع الإنتاجية بالمزارع. وفي هده المرحلة يلعب كل من المدرس والمربي والمرشد أدوارا أساسية: فالمدرس يقوم بتلقين الدروس وهو دور تقليدي أما المربي فيعتبر كذلك مدرسا لكن من نوع آخر يتمثل بالإضافة إلى دوره كمدرس بالفصل، يربي التلاميذ علي طرح التساؤلات السياسية الساخنة وتنظيم إدارة حلقات النقاش السياسي داك بين التلاميذ وكدا إحالتهم على الدراسات والمقالات السياسية المفيدة في الموضوع؛ هدا هو الفرق بينه وبين المدرس التقليدي الذي،بحكم تكوينه، لا يستطيع أن يرقى إلى هدا المستوى؛أما المرشد فيسند إليه تدريس معظم المواد الدراسية ويقضي حوالي أربعين ساعة أسبوعية بالمدرسة مع التلميذ. ويقسم برنامج المدرسة الثانوية إلى وحدتين: وحدة "الواقعيات" أي العلوم الوطنية،ووحدة " الإنسانيات" أي العلوم الإنسانية.

وكما هو الشأن في المرحلة السابقة، فالدراسة في المرحلة الثانوية تنبني على أساس "المشروع" فيتم تخصيص مدة ثلاثة أشهر لدراسة موضوع" الضوء" في مرحلة الإعدادي الثالث عن طريق التيليسينما، وكدا دراسة البصريات الميكروسكوب وآلة التصوير ولآلة العرض السينمائي متبوعا بدراسة الوثائق والأفلام كفن اجتماعي. ويمكننا أخد مثال آخر متعلق بالكيمياء: فهي تدرس باعتبارها كذلك"مشروعا" موضوعه طبيعة وأنواع المياه: المحيطات،الأمطار، الأنهار والجغرافيا البشرية من زاوية الارتباط بالمياه ومدى الاقتصاد في استخدامها. هدا إضافة إلى نفس الأهمية المعطاة "للإنسانيات" لأن هدف الكيبوتز لا يتحدد في الشخص المتعلم فقط، بل وكذلك في الشخص الدية أصبح يتوفر على تصور عن الوجود والكون وهو بالكاد التصور الإسرائيلي؛ وتكدا نجد أن "المشروع" المتعلق ب"الإنسانيات" في المرحلة الابتدائية يتوزع على الشكل التالي: في المرحلة الإعدادية الأولى يتم تدريس الشرق القديم والمرحلة الأولى من الاستقلال القومي اليهودي، وفي المرحلة الإعدادية الثانية يتم تدريس الحقبة اليونانية القديمة وكدا حقبة المعبد الثاني اليهودي، وفي المرحلة الإعدادية الثالثة يتم تدريس الإقطاع مند الاستقلال إلى مرحلة التشتت اليهودي. أما المرحلة الثانوية فهي تهدف جعل التلميذ مرتبطا بحياته اليومية وأكثر انشغالا بها؛ ففي المرحلة الأولى من هدا المستوى التعليمي يدرس التلاميذ موضوع الانتقال من الإقطاع إلى الرأسمالية وكدا موضوع الخلاص اليهودي؛ وفي المرحلة الثانوية الثانية يتم تدريس الوحدة المكونة من المواضيع التالية: انتصار البورجوازية نشوء البروليتاريا ،مشكلة اليهود وسبل حلها؛ وفي المرحلة الثانوية الثالثة تدريس المرحلة الفاصلة بين الحربين العالميتين وتاريخ الحركة اليهودية العالمية مركزين على الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعلمية والفلسفية. هدا وتبدأ الدراسة بالمرحلة الثانوية مند الساعة السادسة وخمسة وأربعين دقيقة صباحا وتنتهي على الساعة الثانية عشرة وثلاثين دقيقة. وبعد تناول وجبة الغداء وأخذ الراحة المحددة، يلتحق التلاميذ بالمزرعة للاشتغال بها،أما في المساء فتلتقي مختلف اللجان لتنطلق عملية عقد الاجتماعات والندوات وأنشطة الأندية.

وتجدر الإشارة إلى أن الكيبوتز كمنظمة لا يتضمن برنامجه ومناهجه التعليمية إعداد التلاميذ للمستوى الجامعي؛إلا أن هدا التصور لا يعني إيقاف التلميذ عند هدا المستوى،فالتعليم داخل الكيبوتز يستمر إلا أنه يتخذ شكلا آخر غير الشكل المعتاد، شكل يتميز بتنظيم الحلقات الدراسية المسائية غير النظامية التي تتضمن المناقشات والدراسات المفيدة والمواضيع الحرفية والمهنية المختلفة. والنظام التعليمي بالكيبوتز لم يقف عند حد هده المستويات والأنشطة وضبطها،بل أغناها بشكل تنظيمي تكويني آخر يتمثل في تأسيس "الجمعيات" التي أنيط بها مهام الربط بين كل المستويات؛ وبدلك نجد ما يسمى ب"جمعية الأطفال" الممثلة لأطفال المرحلة ألابتدائية، "وجمعية المراهقين" الممثلة لتلاميذ المرحلة الثانوية. والهدف من تأسيس هده الجمعيات هو الربط بين مختلف الفئات العمرية التي سبق أن قلنا أن سكناهم وحجرات دراستهم تبتعد عن بعضها البعض الأمر الذي يقتضي الربط لأجل التلقيح والتفاعل فيما بينهم؛ ويقوم بإدارة هده الجمعيات الأطفال والتلاميذ نفسهم، وتقوم هده الجمعيات بتنظيم لقاءات ثقافية ورياضية ورحلات ترفيهية وإصدار صحفها. ومعلوم أن القاعدة العامة التي تحكم توجهات جمعية الكيبوتز هده هي أن الكبار يعلمون ويوجهون ويرشدون ويدربون من هم أصغر سنا منهم.

وبالمجمل، لقد لعب النظام التعليمي بالكيبوتز دورا هاما في بناء الدولة الإسرائيلية إذ أنه أمدها بأهم الأطر وأنجع الكوادر العسكرية والسياسية والحزبية والبرلمانية، وأنتج نسبة كبيرة من المثقفين، بل أنتج طاقات إنتاجية في كافة القطاعات.

كل ما سبق يبرز الاهتمام الكبير بموضوع التعليم في إسرائيل وكدا التركيز على المرحلة الابتدائية لاعتبارها من أهم أسس العملية التربوية وكدا التنشئة الاجتماعية؛ وهدا يوضح لنا لمادا اعتبرت إسرائيل المرحلة الابتدائية مرحلة إلزامية: فهي ليست فقط المرحلة الأهم في النظام التعليمي، بل وفي تحمل مسئولية إعداد الشخصية الإسرائيلية.

ونشكل عام،يمكننا القول أن المدرسة الإسرائيلية بمستوياتها المختلفة، من خلال برامجها ومناهجها تقوم بغرس المفاهيم والمبادئ والبديهيات وتعمل على تغذيتها وتحيينها وتوجيه الشخصية الإسرائيلية جسميا ومعرفيا والعمل على تحقيق الأهداف المسطرة؛ وهي بسلوكها داك تتجاهل كل المفاهيم والقيم الإنسانية من محبة وسلام وحقوق وواجبات لصالح مفاهيم ومبادئ وقيم بنية النظام الرأسمالي والشخصية الرأسمالية، خصوصا في شكلها العولمي المتوحش لأجل ضمان وجودها كدولة إسرائيلية استعمارية وعنصرية تمكنت بفضل إستراتيجية نظامها التعليمي،إلى جانب آليات أخرى بطبيعة الحال،من قلب حقائق التاريخ وخلق الشخصية الإسرائيلية العدوانية التي يمكن تلخيص بشاعتها وهمجيتها في أحد مواد تدريس الحساب للتلاميذ في التالي: لدينا 300 عربي، قتلنا منهم 180، فكم بقي من الدين يلزم قتلهم.

محمد بوجنال

-باحث مغربي-

غزو العالم تحت شعار محاربة الارهاب

بداية نقول أن نمط الانتاج الرأسمالي في شكله الحالي المتوحش قد أفرز،بالضرورة،منطقا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا يستجيب لمتطلبات منطه الداخلي متخدا اشكال الديموقراطية وحقوق الانسان والمساواة بين الشعوب وحرية السوق التعددية السياسية وخدمة الانسان واحترام التعدد الثقافي وهو منطق سرعان ما بينت الاحداث حقيقة منطقه الداخلي،منطق النهب والاستغلال الاقتصادي والهيمنة والسيطرة الاقتصادية واستعباد مكونات الوجتمعات المغلوبة وتخريب الثقافات والحضارات المغايرة.هدا المنطق الجديد في شكله والثابث في جوهره،أجاز للولايات المتحدة الامريكية،بمباركة حلفائها،صلاحية استخدام مجمل قدراتها لأجل اخضاع العالم لمصالحها،وبالتالي اعطاء المشروعية لبورجوازيتها الرأسمالية الكبرى،مالكة الشركات متعدية الجنسية والمؤسسات المالية العالمية الكبرى،لتدعيم مواقعها وفلسفتها الاقتصادية المعروفة الاساليب والآليات الأكثر دكتاتورية.لتبرير تمسلكاتها تلك خلقت طرفا نقيضا سمته "بالارهاب"محددة دلالته وشكله،بل وكل مكوناته البنيوية في الشكل والبناء والتكون الدي يهدد مصالحها المعنوية والمادية بل ومصالح البشرية جمعاء في نظرها.فالارهاب،حسب تحديدها،هو كل ستوك نقيض كفما كان شكله،وكيفما كان شكله ومرجعيته،وكيفما كان منتجوه،وكفما كانت اآتيت والميكانزمات المعتمدة في تطبيقه،وكفما كانت أشكال القضايا المدافع عنها:سواء كانت مقاومة أو تحرير أوطان من أشكال الاستعمار القديم والجديد،أو كانت دفاعا عن كرامة الانسانية،أو دعوة نضالية لاعادة التوزيع العادل للثروة العالمية بين الشعوب والطبقات الاجتماعية،أو كانت نقدا بناء ومسؤولا في شأن المؤسسات الرأسمالية أو مواجهة للمؤتمرات والتقارير والتوصيات..الخ؛وباختصار،يحدد النظام داك الارهاب باعتباره كل أشكال المواجهات والنقد والنضال الدي يهدد ليس فقط المصلة المادية للرأسمالية الامريكية بقيادة بورجوازيتها الرأسمالية العالمية الكبرى،بل ومصلحة البشرية برمتها وبالتالي الانسانية والديموقراطية وحقوق الانسان والحريات العامة وما شابه دلك من الشعارات التي أصبحت اليوم تستثمرها بشكل دكتاتوري واستبدادي.

و من هنا، و لضمان و تأمين مصالحها المادية، أصبحت تتكلم عن مشروعية الدفاع عن أمن و سلامة مواطنيها بكافة السبل ضد الطرف النقيض ـ الإرهابيون ـ و هو ما يعني خلق مبررات الإلتجاء الواضح لإستخدام و اعتماد الأسلوب العسكري. إن هذا التوجه الجديد في شكله و الثابت في جوهرة يبرز لنا الإيمان بمنطق البقاء للأقوي اعتمادا على آليات هذا النظام الرأسمالي المتوحش التي من بينها التركيز على استثمار القواعد العسكرية و تبني سياسة التسلح و بالتالي، و هذه النتيجة المرجو الوصول إليها، تهميش القانون في مختلف المستويات و المؤسسات، سواء منه الوطني أو الإقليمي أو الدولي و هو توجه جعل البرجوازية الرأسمالية العالمية الكبرى تستثمر هذا الوضع بالشكل الذي يخدم مصلحتها الإقتصادية من جهة و امتلاك مشروعية الإنفراد باتخاد القرارات السياسية خدمة للمصلحة الإقتصادية تلك. و لا يفوتنا نظريا و إقتصاديا و سياسيا أن نشير إلا أن هذا الإستثمار الأمريكي يخدم ويخدمه بالأساس بل و يطعمه اللوبي الصهيوني الذي خلق بذلك لنفسه مبررات و مشروعية قتل و ذبح و اغتيال الكوادر الفلسطينية و شيوخها و نسائها و أطفالها و هدم بيوتها و مدنها بالأساليب و الأشكال الهمجية التي لم يعرف التاريخ مثيلا لها.

لقد أصبحت هذه الدولة، بقيادة بورجوازيتها، هي التي تحدد الإرهاب، و تتهمه في كل أقطار العالم،خصوصا العربي الإسلامي منه، باعتباره سلوكا إجراميا مس مكانتها و كرامتها و حقها الطبيعي في الوجود؛ و بالتالي من حقها الرد و الدفاع عن نفسها بكافة الوسائل المتاحة لها و التي من بينها تقوية الأمن الداخلي بتقوية الجانب التنظيمي و القانوني لمختلف أجهزتها الأمنية و المخابراتية، و إعادة هيكلة المجال و القوى العسكرية و بنائه التحالفات مع باقي القوى الإقليمية و الدولية للتمكن من الحصول على مشروعية ممارسة الإنتقام؛ إن هذه المسلكيات الأمريكية تعني و بكل وضوح، هجوم برجوازية هذه الدولة على ما عداها و ازدرائها لقضايا الدموقراطية و حقوق الإنسان و الحريات العامة. والمنطق العلمي علمنا بأنه مهما تشذق النظام الرأسمالي بالدموقراطية، فإنه كلما تم تهديد بنيته الإقتصادية، فإن وجهه الأكثر وحشية يصبح هو الوجه الحقيقي بأشكاله المتوحشة و الإستبدادية. على هذا الأساس و إنطلاقا منه، أعادت الولايات المتحدة الأمريكية بناء استراتجيتها بإعادة بناء سياستها و تحديد أولويتها و المصادر الجديدة للأخطار التي تهددها؛ و أولى هذه المصالح و أهمها حماية البنية المادية و الإقتصادية كبنية الإنتاج الإقتصادي و تأمين بنياته و ضمان مصادر قاعدته؛ و التصور الجديد هذا لزم عنه إعادة هيكلة طبيعة العلاقة بين استراتيجية الأمن الداخلي و استراتيجية الأمن الخارجي التي تم سبكها لتأخد شكل التداخل و الوحدة عوض الفصل بينهما كما كان في السابق بمعنى أن تأمين الأمن الداخلي أصبح مشروطا و مرهونا بتأمين الأمن الخارجي؛ و بدون العلاقة تلك، في نظر الولايات المتحدة الامريكية، فإن الإنتصار سيكون للإرهاب لا محاله؛ و من هنا أحد مكونات الإستراتيجية السياسية الأمريكية المتمثلة في ضرورة عولمة الأمن لإمكان تحقيق و تطبيق برنامجها و تأمين مصالحها الإقتصادية بالأساس دون إهمال مصالح حلفائها الرئيسيين منهم و الثانويين.

و بالمجمل يمكننا القول أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت على وعي بحساسية و أهمية و خطورة عدد من المجتمعات، خصوصا منها مجتمعات الشرق الأوسطية، فاختلقت، و بشكل واعي، نقيضا سمته بالإرهاب لمماسة الضغط و الغزو و النهب و التدمير و التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول تحت دريعة محاربة الإرهاب الذي ليس في حقيقته سوى الإرهاب الأمريكي।

محمد بوجنال

مفكر مغربي

ظاهرة الشمكارة في المغرب الحلقة الرابعة: "الشمكار الجمعوي

من المسلمات المعروفة، أن العالم يخضع لحد الساعة لما يسمى بالنظام الرأسمالي ذو الرأسين المتناقضين: اللبرالي الذي يقول باحترام الإنسان عندما يكون بصدد مواطنية الغربيين ، والدكتاتوري المستبد عندما يكون بصدد مواطني دول الجنوب الذين يعاملون المعاملة الدونية التي هي بالكاد المعاملة العبودية. هذا النظام له بناؤه الذي لا يمكن أن يوجد بدونه والذي منه مجموعة من الآليات التي نذكر منها موضوع حلقتنا هذه والذي هو المؤسسات الجمعوية؛ فهذه الآلية تحظى بتمويل كبير وملحوظ من طرف هذا النظام اللاإنساني؛ وهو بهذا يوظف أشخاصا في دول الجنوب تسند لهم مهام الإشراف على المؤسسات الجمعوية تلك. والهدف بطبيعة الحال هو العمل على تدجين الموارد البشرية في دول الجنوب وبالتالي الانفراد بالسيطرة على مواردها الطبيعية وتوجهاتها السياسية.

فهذا التمويل الذي تحظى به تلك المؤسسات الجمعوية جعل العديد من قناصي الفرص ومنعدمي الضمير يتهافتون على تقبل الإشراف والانخراط بهذه الجمعيات لا لشيء إلا للاستحواذ على التمويل ذاك وهو واقع الحال بالذات؛ لذلك نجدهم يكثفون من الاتصالات التي تمكنهم من الانضمام إلى الجمعيات تلك للإشراف من خلالها وبفعلها على تنفيذ برامج النظام الرأسمالي الدكتاتوري المتمثل، كما قلنا، في تجميد وتسليع واستغلال مجتمعات دول الجنوب. فالرجل هذا له الاستعداد الكافي والفعلي لتنفيذ أجندات الاستعمار وكذا الدوس على كرامته هو أولا، والإنسانية ثانيا، والوطن ثالثا. لذلك فالتسمية التي تلائمه هي، حسب تصورنا، "الشمكار الجمعوي".

نحدد "الشمكار الجمعوي" في كونه الشخص الذي "يسندف" ويفتش ويشم روائح كل أزبال وأوساخ القارورات التي يعتبرها علاجا لأمراضه؛ فالأزبال والأوساخ والقارورة ما سوى أوساخ من نوع آخر تتمثل في نهب مال وصناديق الجمعيات تلك. فالحاجيات الداخلية للنظام الرأسمالي الدكتاتوري اقتضت خلق ونشر وتشجيع هذا النوع من "الشمكارة"؛ لذلك، فنحن لا نندهش من حقيقة انتشاره كالفطر في المغرب، من طنجة إلى الكويرة. فداخل هذه الجمعيات، يقوم "الشمكار الجمعوي" بالسهر على تشكيل شخصية الشباب في اتجاه تعطيل جهازهم العقلي والحسي وكذا تحذير وتعميق جهلهم بأسس ومكونات مجتمعهم.

بناء على ما سبق، ف"الشمكار الجمعوي" لا يهمه سوى التسابق وأشكال التحالفات والمراوغات وكل أشكال الحيل للتمكن من الحصول على حصة الأسد من ميزانيات الجمعيات تلك. لذلك نقول ونجزم أن " شمكارنا الجمعوي" العزيز، مسئول عن تخريب وتدمير جزء مهم من طاقة الشعب المغربي المتمثلة خاصة في الشباب حيث ساهم في خلق شروط انحلالهم وضعفهم وتدمير ضميرهم وكذا شخصيتهم أو قل استلابهم واغترابهم عن ذواتهم وإنسانيتهم ووطنهم على السواء. فجمعياتهم التي تنشأ كالفطر هنا وهناك لتنفيذ عملية تفريغ الشباب من محتواه الحقيقي ،كان مت المفروض والمنطقي أن تكون جمعيات في خدمة بناء شخصية الشباب للتمكن من تحقيق التنمية والنضال الواعي بمعنى الوجود.

إذا كان "الشمكار الجمعوي" على هذه الشاكلة، وهذا هو واقع الحال، فالقضية الموالية التي أصبحت تفرض نفسها علينا هي قضية الدستور في المغرب. لقد احتاج المخزن ومحيطه إلى كل أشكال الشمكارة الذين يهمنا منهم في هذه الحلقة "الشمكار الجمعوي"، للدعاية له وتعبئة جهات كثيرة تعاني الأمية والفقر؛ فتم توظيف منخرطي الجمعيات ومسئوليها "الشمكارة"، توظيف نسبة كبيرة من الشباب المغربي لخوض معركة الدعاية الداعية إلى التصويت ب"نعم" على الدستور؛ وقد نجح " الشمكار الجمعوي"في إحراز نجاح ملحوظ في الموضوع، نجاح خول له الحصول على نسبة مهمة من المال الحرام من جهة، ونهب ميزانية الجمعية التي تبرع بها المخزن عليها ن أو قل تبرع بها على "الشمكار الجمعوي" وبوعي، أو تبرعت بها جهات أخرى تنتمي للعالم المسمى بالمتقدم لتحقيق هدف ضمان السيطرة على الوطن من جهة والاستجابة لمطالب المخزن بالتصويت بنعم على الدستور الذي لا يمكن أن يكون سوى الدستور الذي يخدم مصالح الغرب ذاك. لقد ميع "الشمكار الجمعوي" الساحة الثقافية والجمعوية بتنظيم الندوات المميعة واللقاءات المفبركة والحفلات المشوهة والأنشطة الشكلية مستفيدا في ذلك من ميزانية ضخمة يتسلمها من جهات هو أدرى بحيثياتها ومواقعها. إذن ما يحرك "الشمكار الجمعوي" هو أساسا العامل المادي الذي أوضحت التجارب أنه مستعد للتضحية بكل شيء في سبيل الحصول أو الانقضاض أو الإستحواد على الميزانيات تلك. واستفادته هذه غير محصورة في خدمة التصويت على الدستور، بل وكذلك لتوظيف الطاقات الموفرة والمتوفرة لديه والتي أهمها الشباب الذي يقوم بدوره باستقطاب الفئات الأمية؛ كل ذلك لضمان نجاح وفوز مكونات المخزن ومحيطه في الانتخابات البرلمانية والجماعية والتي يحظى بتمويلها وحمايتها.

إذن ف"الشمكار الجمعوي" هو العبد الخدوم الذي يستجيب لمختلف نداءات سادته كلما اضطرتهم الحاجة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية إلى ذلك ما دامت جمعيته تتوفر على جيش من الشباب الخدوم والمخدوم والمنوم بفعل التخدير الكلامي.

وبهذا، فكل ملاحظ أو متتبع للشأن المحلي أو السياسي أو الاقتصادي يسجل استفزاز "الشمكارة الجمعويين" لحركة 20 فبراير وكل الجهات المساندة لها بالمساهمة في تنظيم المسيرات الشكلية وغير النظيفة أو حمل شعارات يجهل الشباب معناها؛ وكل ذلك كعربون قوة تظهره لأسيادها مؤداه أن لها من القوة والقدرة الكافية لدحض وتدمير مطالب الشعب المغربي التي هي نقيض مصالح المخزن ومحيطه. بهذا الوضع يتمكن " الشمكار الجمعوي" من امتلاك عطف سادته علما بأنه يبقى دائما ، مهما قدم من خدمات، في مرتبة الخادم الوفي لأسياده. وبصفة عامة، ف"الشمكار الجمعوي" شخص يشم بشكل دقيق وسريع روائح ميزانيات الجمعيات التي يغدق بها عليه إما المخزن المغربي أو الجمعيات الدولية والعالمية. وفي هذا كله، تجد "الشمكار الجمعوي" ذاك في سباق محموم ودائم للإستحواد على الميزانيات تلك مضحيا بكل أشكال القيم والأخلاق؛ وهو في كل ذلك لا يقوم سوى بالدور الوسخ المتمثل في خدمة المخزن ومحيطه ؛ لكل ذلك سمينا شمكارنا العزيز ب"الشمكار الجمعوي".

محمد بوجنال