لاشك أن موضوع التصورات السياسية لأطروحة ما بعد الحداثة هو موضوع له راهنيته على مستوى الساحة المعرفية والفكرية. ومقاربة الموضوع هذا اقتضى منا بداية توضيحات لابد منها لثلاث مفاهيم على التوالي: السياسة وما بعد الحداثة والتعالي الكانطي لما لهم من أهمية ابستيمولوجية وايديولوجية في نفس الآن؛ يلي ذلك تشريحنا أطروحة ما بعد الحداثة بالتركيز على العلاقة بين المعرفي والسياسي، فاستدعاء بودريار وليوتار كنموذجين.
دلالة مفهوم السياسة، كما سنوظفها هنا، تختلف عن دلالتها التجريبية؛ وفي هذا نلمس الفرق بين علم السياسة الذي يتحدد موضوعه في ما هو تجريبي، والفلسفة السياسية التي نقصد بها المقاربة الشمولية لأسس ومختلف أشكال وآليات ونتائج أنماط التناول السياسي؛ علما بأن هذا المفهوم يعتبر مفهوما غير مرغوب فيه لذى أنظمة عالمنا العربي؛ أو باعتباره، حسب تعبير الأستاذ زكريا إبراهيم، "البعبع" المخيف؛ أما مفهوم ما بعد الحداثة فيعرفه ليوتار بقوله أنه "التشكك إزاء الميتا-حكايات؛ هذا التشكك هو يلاشك نتاج التقدم في العلوم".
انتشار هذا المفهوم في كل بقاع العالم جعله يحتل موقع الهيمنة على مستوى خارطة الفكر والمعرفة؛ أما المفهوم الثالث الذي سماه كانط "بالمفهوم المتعالي" أو "المفهوم الترنسندنتالي"، فيحدده كانط باعتباره الدائرة التي تتجاوز كل قدرات وطاقات العقل؛ أنه تجربة ليس لها ما يمثلها ويقابلها على مستوى المفهوم والحس؛ ومع ذلك ففي داخلنا نشعر، يقول كانط، بإحساس يعطي مفهوم "المتعالي" معنى مبهما؛ وتجدر الإشارة إلى أن كانط قد وضح العلاقة بين المتعالي كسقف مطلق، والعقل العملي أو الحكم الأخلاقي الذي ليس هو هو ذاك المتعالي.
هذه التحديدات تقودنا إلى استحضار الدلالة العامة لفلسفة الحداثة التي جاءت ما بعد الحداثة على أنقاضها. وهناك قاعدة عامة تقول: كل تصور فلسفي أو أدبي أوقانوني أو سياسي أو أخلاقي هو انعكاس لبنية اجتماعية معينة في فترة تاريخية معينة. انطلاقا من منظور القاعدة تلك نشأت الحداثة محكومة بقوانين وقواعد نظام إنتاجي هو النظام الرأسمالي. وتعرف الحداثة في كونها النظام العقلاني والشمولي في البحث والدراسة والابتكار معتمدة مركزية الذات الإنسانية وحريتها المسئولة؛ إنها نظام معرفي اقتضاه المنطق الداخلي للنظام الرأسمالي لتحل محل النظام المعرفي السابق المبني على الفلسفات الميتافيزيقية المؤسسة على فكرة إطلاقية القوانين والقواعد التي تحكم الكون باعتبارها قوانين وقواعد الهية مفروضة على الإنسان من خلال الكتب المقدسة ورسائل الأنبياء. هذا الطرح الذي يلغي فاعلية الذات الإنسانية حل محله الطرح الحداثي الذي مؤداه التركيز على الذات الإنسانية عوض إقصائها وبالتالي القول بعقلانية الذات تلك وحريتها في المكان والزمان؛ من هنا العبارة الشهيرة لديكارت :"أنا أفكر إذن أنا موجود". لقد أصبحت بفعل حاجيات اقتصاد النظام الرأسمالي الحداثي، مؤمنة بفكرة أنها هي صانعة التاريخ لا القوي الميتافيزيقية كما كان في السابق وبالتالي هي المسئولة عن حقوقها وواجباتها ومختلف اختياراتها في المكان والزمان. إلا أن النظام الاقتصادي الرأسمالي الحداثي الذي هو بالكاد النظام الفوردي قد عرف أزمة خانقة تمثلت في كون أن الازدهار الفوردي قد أوقفه الركود منذ نتصف الستينات حيث تبنت دول عدة سياسة التصنيع فأصبحت بذلك أسواقها أسواقا منافسة لأسواق الولايات المتحدة الأمريكية وبالتالي دول تحدت الفوردية فنتج عن ذلك انهيار اتفاقية بريتون وودز، وتم تسجيل انخفاض قيمة الدولار، واختفت أسعار الصرف الثابتة التي حلت محلها أسعار الصرف المتحركة أو قل المؤقتة. هذه الأزمة يضاف إليها سلبيات سياسة التقويم الهيكلي التي منها عجز الدولة عن الإستجابة لحاجيات المجتمع الضرورية من شغل وتعليم وصحة وسكن؛ إنها أزمة النظام الفوردي أو قل أزمة النظام الرأسمالي التي تجاوزها باكتشاف ما سماه "بالتراكم الاقتصادي المرن" الذي تجاوز البناء العقلاني الصارم إلى البناء المرن المبني على التعدد والاختلاف. انطلاقا من منظور القاعدة السابقة الذكر نقول أن منظور ما بعد الحداثة جاء نتيجة أزمة النظام الرأسمالي بمختلف مستوياته خاصة الاقتصادية منها كما رأينا والمعرفية المتمثلة في أزمة الأسس التي تم الاعلان عنها منذ بداية القرن العشرين ؛ أزمة أفرزتها الاكتشافات العلمية وخاصة منها علم الفزياء بصياغة ما سماه بنظرية الكوانطا التي فندت فكرة الحتمية واليقين باكتشاف فكرة الاحتمال أو ما سمته "بمبدأ الارتياب"؛ كما أن ظهورها جاء نتيجة الوضع السلبي الذي آل إليه المشروع الحداثي حيث انهيار مشروع دولة الرفاه في الدول الغربية وانهيار مشروع التنمية في دول العالم الثالث، وارتفاع أهمية وقدرات قوى الإنتاج التكنولوجية وآثارها السلبية على الطبيعة والإنسان على السواء، وقيام حروب عدة أهمها الحربين العالميتين الأولى والثانية، وانتشار الاستعمار المباشر وغير المباشر، وإخفاق المشروع الاقتصادي الفوردي وكذا إخفاق المشروع السياسي الحداثي عامة.
لذا أنشأت ما بعد الحداثة كرد فعل على هذه الانهيارات وكنقد لكل هذه الممارسات الحداثية وكذا لمختلف قيمها؛ وقد مهد لذلك فلسفيا كل من نيتشه الذي انتقد أسس الحداثة الغربية وعلى رأسها مفهوم العقل في القرن التاسع عشر، وعمق التوجه ذاك فلسفة هيدجر بموقفها خاصة من التقنية كمنتوج حداثي سلبي أفرزه العقل. لذا، نقول عموما أن ظهور ما بعد الحداثة حددته عوامل بنيوية منها ما هو متعلق بالتطور العلمي ومنها ما هو متعلق بالعامل الاقتصادي الرأسمالي ومنها ما هو متعلق بالعامل الاجتماعي الذي ميز هذه المجتمعات الغربية؛ فتحدد بذلك موقفها كتوجه نقدي لقيم الحداثة خاصة منه قيم العقل والعلم والتاريخ والتقدم والحرية والديمقراطية.
لاشك أن قراءة مفهوم التعالي الكانطي من طرف ما بعد الحداثة كان قراءة اعتبرت مفهوم التعالي مفهوما مطلقا يفوق كل القدرات والإمكانات المعرفية والمفهومية. بهذه القراءة نقول أن ما بعد الحداثة توجه فكري يرفض الواقع؛ فبفعل هذه القراءة لمفهوم التعالي الكانطي ثم التعتيم على عمليات الحكم الأخلاقي والسياسي لتعتبر بدورها عمليات متعالية يستحيل الحكم على صوابها أو خطئها علما بأن كانط قد وضع غير تلك العلاقة بين التعالي كسقف مطلق والعقل العملي أو الحكم الأخلاقي؛ أما بعد الحداثيين، وسنأتي على أطروحة ذلك لذي بودريار وليوتار فيما بعد، فلم يتمكنوا من فهم طرحه ذاك فاعتبروا التعالي مرادفا للعقل العملي؛ هذا المنحى الما بعد حداثي أفرغ الحكم الأخلاقي من أية علاقة يمكن أن تربطه بقضايا العالم الحقيقي سواء منها القضايا السياسية أو الاجتماعية وهي القضايا الواقعية التي تم تحويلها من سياقها الواقعي إلى سياق مجموعة من النصوص المتناقضة.
وقد نتج عن هذا التصور المابعد حداثي للتعالي الكانطي التصور التالي وهو فصل قضايا الحكم الأخلاقي عن الفهم التاريخي والواقعي خاصة أن التقييم يقتضي الاستناد إلى مقاييس ومعايير معرفية وحدها القادرة على الحسم في تحديد الحقيقة والزيف.
ومن الافتراضات المابعد حداثية كذلك قولها بتحول الحقائق إلى أوهام غير قابلة للحسم كلما تم تقديمها من خلال نوع معين من السرد، وبأن وظيفة المدلول ووجوده تتلخص في مراوغة وخداع كل الجهود الرامية إلى معرفة الحقيقة. وهذا الوضع يضفي، بطبيعة الحال، على كل الأحداث تلك، صبغة "التعالي" نظرا لوقوع ذلك خارج مجال محدد، وأن ذلك يقتضي كذلك اللغة التي تحمل الدلالة لتتمكن من تفحص الدلائل المتوفرة والمقدمة من قبل السرديات المتصارعة؛ لذلك، يرى العديد من المفكرين، أن النص لا يمكن أن يتحمل مسؤولية هذه الأوهام؛ فنحن عندما نقرأ النص، نعتمد كل أشكال المعرفة ما بعد النصية، منها ما هو متعلق بقراءتنا لنصوص أخرى ذات علاقة وارتباط بإدراكنا الذي لا يمكن فصله عن أحداث أو احتمالات أحداث العالم الواقعي أو الحقيقي. وهذا ينطبق على السواء، على الخطاب الذي يمكن التأكد من مصداقية الحقيقة التي يدعيها، وعلى الخطاب الخيالي نظرا لأن ردود فعلنا تجاهه تكون مستندة دوما إلى مرجعياتنا الفكرية التي توجد على الدوام خارج النص ككلام مكتوب على أو فوق صفحة ما. لذلك لا نتفق في هذا الصدد مع الفكرة التي انتشرت بشكل ملحوظ في عصرنا والقائلة أن النصوص التخييلية والمتخيلة تفتقد المعنى الخاص بها أو قل أنها نصوصا ليست صحيحة وليست زائفة مادامت خيالا، والخيال لا يشير إلى أي شيء خارج النص ذاك؛ هذا مع العلم أنه لا وجود لنظرية لا تضم بنيتها نسبة ما من الخيال وإلا فمصيرها الانهيار السريع؛ فداخل النظرية، أية نظرية، هناك الواقعي والخيالي إلا أن مفكري ما بعد الحداثة لهم تحديدا جامدا لمعنى النص: فقراءة النص يجب أن تتم حسبهم، بناء على مبادئ وقواعد ثابتة تحدد اللغة على أنها نظاما مغلقا من الرموز والإشارات التي تفتقد الدوال والقيم بمعنى أن دلالة النص تكمن في بنيته الكامنة وبالتالي فلا يوجد اختلاف بين الأشكال الواقعية.
يمكننا ضبط زيف طرح ما بعد الحداثة عندما نتعامل مع النص باعتباره عالما حقيقيا له بنيته الزمنية ووثائقه المادية ونظامه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي؛ أما غير ذلك فمعناه تجاهل الواقع، وهو ما يميز تيارات ما بعد الحداثة؛ لهذا فحرب الخليج الثانية وغيرها ليست سوى إنشاءات بلاغية أو حوادث تعرفنا عليها من خلال سرديات مختلفة يصعب من خلالها التقييم أو الحسم؛ فلا وجود لدليل يوجد خارج النص يمكن الاعتماد عليه. لهذه الأسباب نادى ما بعد الحداثيون بضرورة تأجيل الحكم، لأن ما نتوفر عليه في نظرهم، هو فقط الكلمات المكتوبة في النص وعلى الصفحة. واللزوم المنطقي يقتضي منا، في هذا الوضع القول بأن الحقيقة أصبحت مع ما بعد الحداثة عبارة عن صيغ سردية وإنشاءات بلاغية محضة.
وإذا استحضرنا ليوتار الذي سنؤجل طرحه إلى حين، نجده اعتمد في تصوره، ومن خلال فتجنشتين، ما سماه بألعاب اللغة المتنافسة أو اللامتجانسة، وهي ألعاب حذر من التحيز لأي منها لكي لا نلحق الضرر والظلم بسواها؛ أو قل أن لها في نظره، مصداقية متعالية بالمعنى الكانطي على المستويين المعرفي والإجرائي. إلا أن هذا الطرح ينهار بسرعة عندما يتساءل أي فرد عن أسباب رفض التحليل والتفسير بالدليل وبناء الدليل، وعن ما هي الأرضيات المؤسسة بمنأى عن صرامة نهجهم في قراءة النصوص. لذا، فأي قارئ يتوفر على ملكة النقد، عندما يحصل على التقارير المتعلقة بحرب الخليج مثلا، سيتمكن من الوصول إلى نتيجة واضحة في الموضوع، منها أن الاتهام الملفق للنظام العراقي لم يكن سوى نسخة من صياغة الأمريكان، نسخة مليئة بالتناقضات وتحريف المعلومات وتزييفها، ونظم مختلف الأكاذيب. هذه التضاربات والتناقضات وأشكال التزييف يسميها مفكرو ما بعد الحداثة بقانون الاختلاف والذي مؤداه أن كل ما وقع في العراق هو متوقع، وأن جميع الادعاءات، من كلا الطرفين، ما هي سوى ادعاءات سردية وبلاغية لا يمكن تغليب الواحدة منهما على الأخرى؛ والمخرج من هذا الموقف، يقول ما بعد الحداثيين هو إصدار حكم يكون مفتوحا على أساس أن الحدث العراقي ذاك ينتمي إلى منظومة المدلولات "المتعالية" التي هي عبارة عن خليط من الحقيقة والوهم بشكل معقد وذات مرجعية لا يمكن أن تخرج عن دائرة النص. لذا، ولكل الأسباب تلك، تعتبر ما بعد الحداثة توجها فكريا مبتعدا تمام البعد عن المقاييس والمعايير المنتجة للحقيقة التي مؤداها ضرورة تدمير العراق بالسيطرة على آبار النفط وعرقلة شروط التنمية وإزالة نظام سياسي لم يعد يحظى بثقة البيض الأبيض واللوبي الإسرائيلي. وفي كل هذا نسجل غياب المسؤولية الأخلاقية لذى ما بعد الحداثيين.
وإذا انتقلنا إلى علاقة ما بعد الحداثة بالصهيونية، نرى أن هذه الأخيرة، مثل الأولى، ترفض وتنكر المطلقات والكليات وبالتالي الحقيقة. لقد تبدى لنا سابقا طرح ما بعد الحداثة باعتباره طرحا يعادي مفاهيم العالمية والإنسانية للقول بأن ما يوجد هو فقط القصص الجزئية أو الصغيرة؛ إنه التصور الذي تبنته ووظفته الصهيونية وأصبح أيديولوجيتها، أيديولوجيا السرديات الصغرى التي تتنكر للقضايا الكبرى للإنسانية بمعنى أن الصهيونية تدافع عن وجودها الجزئي الأزلي متمسكة في ذلك بما سمته ما بعد الحداثة بالسرديات الجزئية أو الصغرى؛ وبما أن الفلسطينيين يوجدون خارج هذه السردية، فإن المشروعية تقتضي القول بأنه لاحق لهم في الأرض. ومن هنا تفسيرهم للذات الإلهية بناء على السرديات الصغرى لا الكبرى مادام وجودها مقصورا على اليهود فهي ذات حددتها اليهودية في كونها لا هي بالغائبة ولا هي بالحاضرة، بل هي حاضرة/غائبة في نفس الآن؛ إنها بمثابة المطلق/النسبي، والثابت/المتغير بالشكل الذي يجعلنا نقول بعدم وجود المعنى المطلق أو السردية الكبرى؛ فالمعنى ذاك يتميز بالاختلاف بفعل الحضور/الغياب للذات الإلهية. إنها الثنائية والتصور الذي ركزت عليه ما بعد الحداثة خصوصا التفكيكية منها، وتفسير ذلك كالتالي: إذا كانت التوراة ثابتة ومكتوبة، فإن تفسيرها مسند للحاخامات تحت مسمى "الشريعة الشفهية" التي سمتها التفكيكية المابعد حداثية ب"النص المكتوب"، وفي هذا الصدد يرى جاك ديريدا، باعتباره مؤسس التفكيكية الما بعد حداثية، أننا بصدد "النص المكتوب" نصبح أمام لعب الدوال والانفصال عن الذات المؤلفة؛ وهكذا، فالمنطوق الشفهي هنا أصبح منطوقا لا حدود ولا مرجعية ولا أصل له ليتم التخلص من فكرة أن للأرض الفلسطينية مرجعية وأصل هو بالكاد الشعب الفلسطيني. وقد صاغ جاك ديريدا مفهوما جديدا للدلالة على استحالة وجود الأصل ذاك سماه ب"الفارق" La Differance أي أن هذه الأخيرة المكتوبة بالحرف « a » فتدل عن غياب الأصل والمرجعية؛ بمعنى آخر، لا يمكن إرجاع "الفارق" La Différanceمكتوبة بالحرف « a » إلى أي أصل كيفما كان، فلا يوجد إلا الاختلاف وبالتالي السرديات الصغرى. وهذا، بطبيعة الحال، يزكي مشروعية السياسة الإسرائيلية في احتلالها أرضا ليست لها وطردها شعبا هو قاطنها الشرعي والأصلي.
وإذا تابعنا تصور التفكيكية لجاك ديريدا، نجد أن مفهومها "للتناص هو في حقيقة التحليل، دفاعا عن مشروعية الدولة الإسرائيلية وأحقيتها في استرجاع أرض فلسطين، أو قل أن التناص" هو إبعاد ما سمته بالسردية الكبرى التي هي بالكاد أحقية الشعب الفلسطيني في أرض الفلسطينية. وقد ظهر استغلال مفهوم "التناص" ذاك في نهج الحاخامات أسلوب التفسيرات المختلفة، بل والمتضاربة للتوراة لكي لا يأخذ معنى السردية الكبرى، وحيث أن كل التفسيرات تشير إلى تفسيرات أخرى سابقة أو حاضرة سمته التفكيكية ما بعد الحداثية بالتناص بين كل التفسيرات لإثبات فكرة السردية الصغرى التي هي أحقية إسرائيل في الأرض. وهكذا أصبح التلمود، ككتاب لتفسير التوراة، ينافس في القدسية كتاب التوراة نفسه، إلا أنه إنتاج بشري لذلك فهو مطلق /غير مطلق، ثابت/متغير، الحضور/اللاحضور. فاليهودي، في بلدان متعددة، يعيش بشكل مندمج في ومع مواطنيها علما بأنه أساسا يوجد هناك ولا ينتمي في نفس الوقت إلى الهناك؛ فهو المقيم/اللامقيم أو المقيم/الغريب أو الحاضر/الغائب وهي كلها مفاهيم ما بعد حداثية كما رأينا.
ولاشك أن اليهود يحملون الغرب مسؤولية تفتتهم وتشتتهم بناء على تصورهم الثابت والمقدس المتمثل في التمركز حول اللوغوس منذ العصر اليوناني. لذا، لجأ مثقفوه كتعويض عن الإحساس بذلك الذنب وغيره من ذنوب أخرى، إلى تقويض وتفكيك دينك المركز والمقدس وذلك بفرض اللامعنى باعتباره هو المعنى الذي به يتم تحدي المعيارية الغربية المركزية القائمة، من قبيل العناصر المكبوتة أو تسلط السلطة أو غيرها لتتم بلورته ومواجهة المركز بقوته؛ وقد استوحى اليهود بهذا فكرة أنه بما أن الغرب قد أزاحهم عن أرضهم وأحل شعبا آخر محلهم، فهم بدورهم يقومون بإزاحة النص المقدس وإحلال التفكيكي محله؛ وفي هذا الاتجاه وغيره يسعى ديريدا إلى تحطيم الفلسفة الغربية باعتبارها ميتافيزيقا مبنية على اللوغوس المتمركز المسئول عن تلك المآسي؛ وما حاولته ما بعد حداثة بنهجها ذاك هو العمل على تقوية النصوص الأصلية سواء منها المقدسة أو الفلسفية أو السياسية أو الأبوية أو غيرها باعتبارها نصوصا متمركزة على الذات تكن التهميش وتؤمن بالنفي وعدم الاعتبار لليهود؛ فحل بذلك تفسيرهم محل الوحي وأصبح اللاوعي هو الوعي باعتماد القاعدة ما بعد الحداثية المعروفة والقائلة : النص المقدس هو نص صامت على الدوام، وهو لذلك يحتمل تعدد المعاني؛ ومن هنا، فالمفاهيم المنتشرة اليوم كمفهوم "الفوضى" و"العدمية" و"الظلام" إلخ لا تتضمن الدلالات السلبية أو القدحية كما يعتقد البعض، بقدر ما أنها تصب في الاتجاه الإيجابي الذي يبتغيه اليهود الذين أصبحوا عنصرا أساسيا من عناصر التفكيك. هذا علما بأن تصورنا هذا لا يعني أن الانتماء إلى اليهودية هو أساس ظهور التفكيكية بقدر ما أن الأساس ذاك يتحدد في الحضارة الغربية ذاتها لكن دون أن ننفي نسبة أو قدرا من التأثير ذاك؛ فرائدها جاك ديريدا عانى من التهميش كما هو معروف وأنه شخص يفتقد الجذور وأنه كان عضوا في جماعة استيطانية فرنسية بفرنسا، وأن جماعة يهودية في الجزائر انضمت إلى تلك الجماعة الاستيطانية وحصلت على الجنسية الفرنسية. هكذا، فاليهودي الجزائري الذي انضم إلى الجماعة الاستيطانية تلك قد أصبح شخصا مهمشا لأسباب منها أنه الآن مستوطن فرنسي انتقل من أرضه الاصلية إلى أرض الآخرين، وهو كذلك هامشي بالنسبة لوطنه لأنه هجره، وهو هامشي بالنسبة لجماعة المستوطنين الفرنسيين لأنها لا تقبل اليهود أعضاء فيها بفعل عنصريتها؛ وكل هذه وغيرها عوامل ساهمت في بناء تفكيكية جاك ديريدا خصوصا وأنه هو ذاته، كما رأينا، مفكك: فهو فرنسي ولكن أصله جزائري، وهو جزائري ولكنه ينتمي لجماعة استيطانية فرنسية، وهو سفاردي دون الانخراط في اليهودية، بل ولا يؤمن بها على الرغم من إشاراته إليها؛ وبعبارة أكثر دقة نقول أن جاك ديريدا هو دال بدون مدلول : فهو ليس بفرنسي ولا يهودي ولا جزائري إضافة إلى أن مشروعه الفلسفي هو تدمير الميتافزيقيا الغربية؛ لذا فتفكيكية ما بعد الحداثة تظل غربية بالأساس.
وعموما، وجدت الفلسفة ما بعد الحداثية نفسها، بالدعوة إلى تهديم الميتافيزيقا الغربية والدفاع عن السرديات الصغرى، سواء بشكل شعوري أو غير شعوري، مباشر أو غير مباشر، خير نصير ومدافع عن مشروعية تأسيس الدولة الإسرائيلية فوق أرض لم تكن ملكا للشعب الفلسطيني إلا وفق السرديات الكبرى التي هي سرديات وهمية تستحق التفكيك والتدمير في نظر ما بعد الحداثة أو قل في نظر الدولة الاسرائلية.
وعموما تبرز لنا قواعد ومراجعة إنتاجات ما بعد الحداثة أن التأسيس لنظرية سياسية لمقاربة الواقع كان مستبعدا نظرا لعدم اهتمامهم شكلا بالموضوع؛ إلا أن الطرح السياسي قد فرض نفسه على مفكريها من خلال مواقفهم الشخصية التي ترجموها في شكل مقالات تصدر هنا وهناك إما لإبداء وجهة النظر أو لمناقشة بعض مواقف رجال السياسة تجاه عدد من القضايا؛ وفي هذا الإطار، سنتناول قطبين من أقطاب ما بعد الحداثة كنموذجين للتوضيح متمثلين في بودريار وليوتار.
لقد اعتبرت مقاربة بودريار (1929-2007) في حينها بمثابة رؤية وموقف ما بعد الحداثة من القضايا السياسية وقد بدا ذلك من خلال مقالة له نشرتها الغارديان بوست البريطانية قبل نشوب حرب الخليج بأيام معدودة حيث صرح بأن الحرب لن تحدث أبدا. فحدوثها هو ادعاء زائف عملت على تدعيمه وسائل الإعلام، والسيناريوهات الافتراضية؛ وفي هذا الإطار نرى أن طرح بودريار يدخل في حساب التغطية السياسية لما يتعرض له العراق من قصف وتدمير وتخريب ومجازر؛ وفي هذا الإطار كذلك تتحدد أطروحة بودريار القائلة بنفي الواقع كعالم محسوس لصالح واقع وهمي و مخادع؛ واقع وهمي، يرى بودريار، أنه لم تعد لنا القدرة ولا المشروعية في تقييمه ونقده مادام هو المعطى الوحيد الذي نتوفر عليه؛ لهذا، فالأفضل يتابع بودريارد، هو أن نقبل بهذا الواقع المابعد حداثي عوض استمرار تبنى الواقع الحداثي بكل أدواته التي فقدت مصداقيتها. لقد أصبح الواقع محض أنظمة رمزية، أو قل عبارة عن ظاهرة خطابية هي وحدها الكفيلة بتمكيننا من تأويل الواقع بالمنظور السياسي.
لذا، فحرب الخليج، كما يراها بودريار، حرب أكدت صحة مفهومه عن الواقع، أنها حرب ما بعد حداثية تعتمد التلاعب باللغة والتمارين في البلاغة التي ترجمتها مختلف وسائل الإعلام والإقناع "المافوق واقعية"، وكل ذلك زكى صحة وسلطة الإحساسات الواهمة والتي مؤداها أنها تغطية تميزت بالحيادية والموضوعية في شكل جمل لغوية كالقول "بدقة القصف"، و"عدم استهداف المدنيين"...الخ. لكن بودريار بلامبالاته بالواقع الحقيقي، يكون قد قدم الغطاء النظري لمشروعية غزو العراق واستغلال موارده الطبيعية خاصة والجغرافية والبشرية عامة. فالخطاب الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية هو خطاب قد تم تصميمه مسبقا لإقناع الرأي العام بمشروعية والمبررات الإنسانية لغزو العراق، وعدم استهداف المدنيين ولا إصابتهم طبقا للمعاهدات والقوانين الدولية الجاري بها العمل، بل وطبقا لاحترام المبادئ الأخلاقية لكرامة الإنسان. يتقبل بودريار هذا الخطاب على الرغم من القصف المتتالي لمنازل المدنين العزل من السلاح، والمجازر الجماعية.
انطلاقا مما سبق، اشتغل بودريار على مفهوم "الواقع"، خاصة في كتابيه "كلمات الجواز" و"الفكر الجذري: أطروحة موت الواقع"؛ والكلمات، في نظره، هي الإشارات والرموز التي بفعلها تنتقل الدلالات عبر فضاءات وجغرافية كلمات ورموز الخطاب؛ أما الواقع، ففي نظره، ليس سوى وهم يتميز بالاختفاء كلما أردت الاقتراب منه؛ فمثله في ذلك مثل السراب ليتم التأسيس لواقع افتراضي فوقي.
وفي هذا الإطار يرى بودريار أنه لم يعد للواقع مرجعا أو أنه سلطة وبالتالي لم يعد معقولا "لقد غدا واقعا استراتيجيا على وجه التحديد. لذلك قال في كتابه "وهم الحرب" بأن الحرب لم تعد موجودة بقدر ما أن الذي أصبح موجودا هو فقط الوهم الذي فيه تم التعويض بالعلامات والرموز الحربية. لقد انتهى خطر النجوم، لكن من الضروري تجريب هذه الحرب الذرية من خلال حرب مموهة للتأكد من إمكانية إبادة العدو. بهذا المعنى لم نكن أمام حرب حقيقية بقدر ما أننا كنا أمام علامات ورموز حربية وهمية ومضللة وهي نفس الحرب التي مارسها الأمريكان على الرأي العام العالمي من خلال وسائل الإعلام خاصة أنها حرب لا معنى لها؛ لذلك فما أشارت إليه وسائل الإعلام يمكن أن ينتمي إلى الواقع بقدر ما أنه يمكن أن ينتمي إلى زيفه، فنصبح بذلك أمام الشك أي عدم اليقين والارتياب. فالتحقق من حرب الخليج لن يعود ممكنا إلا من خلال شاشات التلفزيون، فالصورة التلفزية هي نفي لأية إحالة واقعية أو حدثية أو قل أنها الصورة الافتراضية التي تتميز بالتوالد والتكاثر لكن بعيدا عن أي إحالة على الواقع؛ ونحن هنا في عمق الطرح السياسي: فعندما تصبح الصورة رمزا لغويا يتحدد مدلولها في نفي الواقع، أو قل عندما يتم تحويل الإعلام، وأهمه التلفاز، إلى فضاء افتراضي للحدث، فهنا نصبح أمام خلق شروط مشروعية الاستعمار والغزو وبالتالي حصول على مشروعية إبادة الواقع وإحلال واقع افتراضي تقوم وسائل الإعلام بالدعاية لمشروعية وجوده ليصبح المشاهد شخصا مسجونا أمام الشاشة حيث أصبح الاستوديو هو مركز القيادة والشاشة هي ميدان الحدث وبالتالي تغييب الميدان الحقيقي لصالح الميدان الافتراضي للحدث قصد تزكية المصداقية على غزو العراق وغيره من دول الشرق الأوسط بل وغيره من باقي دول العالم - مثال رومانيا وقصد محاكمة وإعدام تشاوسسكو باعتماد صور افتراضية-. إن هذا الواقع الافتراضي قد دافع عنه ونظر له، كما سبق أن رأينا، بودريار حيث يقول: "الحرية تلاعب مفتوح، في الحقيقة يؤدي تحرير الصورة إلى التلاعب، وهذه هي الحرية الحقيقية للصورة. وإذا لم نقبل بذلك، فلنقبل على الأقل بالبداهة التالية: لم يعد لا الخبر ولا الصورة في قبضة مبدأ الحقيقة والواقع".
هذه الأحداث والمعطيات دفعت بودريار إلى توليد فكر جديد سماه ب"الفكر الجذري" الذي وصفه بكونه، ليس فكرا نقديا أو جدليا، بقدر ما أنه فكرا تأرجحيا يقوم على التسليم بفكرة العلاقة المتوفرة بين الفكر والواقع بمعنى عدم إحلال الواحد محل الآخر أو النيابة عنه؛ وهذا راجع في نظره إلى عجز الفكر عن امتلاك الواقع الفعلي لصالح الواقع الوهمي أو المتخيل أو قل الافتراض؛ وبلغة أخرى "فالفكر الجذري" حسب بودريار هو موت الواقع؛ إنه الفكر الذي يتبنى ويحتضن المعنى واللامعنى أو الحقيقة والزيف في نفس الآن نظرا لاستحالة تجاوز التوتر ذاك؛ تلك تساؤلات بودريار المتكررة حول ما سمته ما بعد الحداثة عامة بميتافيزيقا الواقع. وقد أصر بودريار على طرح التساؤلات تلك لما لنتائج التطور التكنولوجي والمعلومياتي في تغييب الواقع والدعوة لنقيض الواقع الافتراضي الذي يتميز بإيقاع زمني سريع يفوق قدرة الإنسان على متابعته ومسايرته؛ لذلك تمكن من الإحلال محل وعينا وقدراتنا الإدراكية وأصبح ينوب عنه في ممارسة مهامه وهو واقع الحال الذي أصبح يعنى تخلى الإنسان ذاك، وبشكل طوعي، عن أدوات إدراكه؛ فعلى سبيل المثال لم يعد يثق في حواسه الطبيعية التي منها العين بما تراه وتبصر، لأن شاشات التلفزة وتقنيات المعلوميات أصبحت تمده بما لا تستطيع عينه رؤيته. وهذا أفرز لنا وضعا على مستوى آخر هو تجاوز المكان لصالح الزمن؛ لذا اختفت أهمية المكان بفعل سرعة إيقاع السرعة، فلم يعد مفيدا التمييز بين الماضي والحاضر والمستقبل، ولم يعد مفيدا التمييز بين الهنا والهناك لأن ذلك أصبح عبارة عن وهم بصري. ومن هنا تم تدمير الأزمنة الثلاث السابقة الذكر، لصالح زمنان اثنان هما : الزمن الحقيقي وهو بالذات زمن البث المباشر، والزمن المؤجل وهو بالذات زمن البث اللاحق ويقصد بودريار بذلك كون أن قيمة الفكر لم تعد تستمد من تطابقها مع الحقيقة بقدر ما أنها أصبحت تستمد من اختلافه الجذري عنها بمعنى أن موقعة ووجود وعينا قد أصبح خارج الزمن الواقعي أو قل أن وجوده ذاك دوما وجودا مؤجلا؛ وفي هذا يقول بودريار أننا لا نوجد واقعيا إلا في ما سماه "باللاوعي والنوم والموت" فالوعي أصبح هو الإيمان بالوجود الوهمي للعالم الذي اعتبره أساس الوجود لا الإيمان بالواقع، وفي هذا يقول بودريار : " إن الغريزة الأهم بالنسبة للإنسان هي غريزة الصراع ضد الحقيقة وبالتالي ضد الواقع"؛ فالإيمان بالواقع هو بمثابة الحلقة الأكثر ضعفا في فهم الواقع أو العالم الذي لا يعدو كونه قد أصبح، حسب تعبير بودريار" المأوى الأخير لحراس العقيدة وانب ياء العقلانية".
لقد سبق أن قلنا، أن بودريار يرى أن العلاقة التي تربط الفكر بالواقع لم تكن ولا يمكن أن تكون علاقة تطابق بقدر ما هي علاقة توتر مستمر وأبدي؛ ومن هنا فأهمية ووظيفة الفكر الجذري تكمن في إبراز الهوة القائمة بينهما؛ وهذا ليس بتيئيس بقدر ما هو كذلك بالنسبة للنقد السياسي الذي يتجاهل أهمية الكتابة التي هي المعنى واللغة أو قل أنه نقد يتجاهل الخطاب الذي هو عبارة عن تحويل لمواضيع العالم إلى وهم يسمى "بالمعنى" الذي هو في هذه الحالة معنى شقيا؛ ولكن لغة هذه الكتابة تبقى دوما سعيدة، في نظر بودريار، على الرغم من إحالتها إلى عالم بلا أمل؛ وهذا بالضبط هو تعريفه لمفهوم الفكر الجذري: "معرفة سعيدة وفهم بلا أمل". أنه مفهوم يشير إلى وصف المعنى وهمه في نفس الآن.
وعموما، فبودريار يحدد موضوع الفكر الجذري في فكرة الوهم؛ وخلفيته هي إبراز أن المفهوم يكون غير قابل للفهم، والظاهرة غير قابلة للقراءة؛ أما الطرح المزيف للواقع فيكون أكثر وضوحا؛ لذلك يقول: "على الفكر أن يكون ممارسة سرية، تماما كبيع مادة ممنوعة. أما القاعدة المطلقة فهي جعل العالم غير قابل للقراءة، بل وأكثر من ذلك جعله لا مقروءا".
وإذا رجعنا إلى مثال حرب الخليج، فبودريار يرى في القول القائل أن الحرب لها وجود واقعي هو قول من قبيل الوهم؛ فالقول بالحرب هو تمثيلية، نجاحها ارتبط بالقدرة التي تمت ممارستها على ما يسمى "بالرأي العام" بفعل قوة تغطية وسائل الإعلام التي عملت على نشر وهم مساندة الجميع للحرب وكذا المبررات التي تم تقديمها للرأي العام على أنها مبررات صحيحة؛ وبذلك حلت عملية الحديث عن الحرب محل الحرب ذاتها؛ وبمعنى آخر، يرى بودريار، أننا لم نعد أمام اختلاف بين حرب هي حرب الكلمات أو الوهم الذي أسست له وسائل الإعلام بتوجيه من اليمين المحافظ خاصة الأمريكي منه لترويض الرأي العام، وبين حرب التي هي الحدث ذاته الذي لن يحدث إلا في مخيلة هذا الأخير بفعل قوة الإعلام التلفزيوني خاصة فترة حشد القوات العسكرية قبل فترة وجيزة عن انطلاق الحرب؛ ويتابع بودريار قوله بأن مرجعية مجمل المسئولين من رؤساء دول وسياسيين وعدد من الجنرالات والخبراء تتجسد في الإعلام التلفزي الذي، كما سبق القول، هو آلية تمدهم بكثافة من الصور المزيفة والاخبار المعدة قبلا في الموضوع. لذا، لم يعد بمقدور الرأي العام المحلي والإقليمي والعالمي التمييز بين الحرب الحقيقية والحرب الوهمية. لقد أصبح أمام تمثيلية مسرحية محبوكة موقعها شاشات التلفزيون، تمثيلية لم يعد بإمكان الرأي العام التمييز فيها بين ما هو حقيقي وما هو وهمي.
ولاشك أن تصور بودريار هذا هو تصور يندرج تحت استراتيجية منحطة لخطابات التحرر السياسي نظرا أولا لعبثيتها المتمثلة في كون أن الأحداث السياسية وغيرها هي أحداث لا معنى لها وما على الرأي العام إلا أن يقتنع بذلك مادام هو الدائرة الوحيدة التي يتحرك من داخلها دون رفضها. وبطبيعة الحال، فالقول هذا هو تعبير ايديولوجي عن أزمة النظام الرأسمالي الذي أصبح، لكي يتجاوز أزماته، مضطرا إلى أن يصور الواقع كما يريد، وكما تقتضيه مصلحته الاقتصادية؛ وهذا تطلب تعبئة المستوى السياسي الذي أفرغ سلوكات الرأسمالية من المضمون السياسي المتوحش وإعطائه المضمون الغامض والشديد المرونة لاتقاء احتجاجات وتظاهرات وثورات الشعوب وهو نفس التنظير والتوجه الابسيتمولوجي والأيديولوجي الذي سنجده لذى النموذج الثاني من مفكري ما بعد الحداثة، مفكر من طينة فرانسوا ليوتار (1924-1998).
لقد أثار ليوتار انتباه الباحثين والنقاد عندما أصدر نص : "الوضع ما بعد الحداثي" العام 1979 حيث طرح الأفكار الأساسية لتيار ما بعد الحداثة منتقدا في ذلك قيم الحداثة من عقل وتقدم وتاريخ وحرية ليخلص إلى فكرة أن مشروع الحداثة تلك قد باء بالفشل؛ فشل تجلى في الحروب وانتشار المجاعة والأمراض وعددا من القضايا العويصة وانتشار السرديات الكبرى أو الميتا-سرديات.
كل هذه المعطيات أفرزت وضعا فقد الثقة في كل ما كانت الحداثة تصفه بالمنجزات الايجابية من تقدم وحرية وديمقراطية وعلوم لسبب أنها كلها منجزات تركز أساسا على تحقيق الربح متناسية في الوقت ذاته قضايا الإنسان.
ويتضمن هذا النص تقريرا عن وضع المعرفة العلمية في الدول الأكثر تطورا خلال القرن العشرين، كما أنه تضمن حالة الثقافة في أعقاب التحولات ذات التأثير الكبير منذ نهاية القرن التاسع عشر، وقد عبر ليوتار عن هذه التحولات بصيغة "أزمة الحكايات أو السرديات الكبرى".
أما مفهوم الحداثة فيحددها ليوتار في كونها كل أشكال المعرفة التي تعطى نفسها مشروعية الاستناد إلى "ميتا-الخطاب"- أو "السرديات الكبرى" أو "الحكايات الكبرى"- من قبيل الذات المطلقة أو العقل المطلق أو الحقيقة المطلقة، مبرزا أن كل هذه السرديات الكبرى تتحدد مرجعيتها في فلسفة وقيم التنوير. لذا، يعرف ليوتار ما بعد الحداثة بقوله: "التشكك إزاء الميتا-حكايات. هذا التشكك ... نتاج التقدم في العلوم".
من هنا نفهم تركيزه على أهمية المعرفة العلمية باعتبارها العامل الذي ساهم في الانتقال إلى المرحلة ما بعد الصناعية. ويعد الوقوف عند مكونات المعرفة العلمية، طرح ليوتار قضية المشروعية والسلطة وعلاقتهما بالمعرفة العلمية تلك معلنا ضرورة ربطها بمحيطها الاجتماعي إذ يستحيل، في نظره، فهم مبنى ومعنى المعرفة بدون استحضار المجتمع؛ وبذلك نجده يطرح السؤال عن من له الحق في الحصول على المعلومات والبيانات التي تضمن اتخاذ القرارات بحيث أن حصول ذلك يظل أساسيا لعمل الخبراء لأن وظيفة الفئة الحاكمة هي على الدوام وظيفة صنع القرار؛ ومكوناتها الآن انتقلت من الفئة السياسية التقليدية إلى فئة سياسية تتكون من فئات مشكلة من رؤساء الشركات والمديرين الكبار وأمناء الأحزاب ورؤساء المنظمات الدينية وغيرها.
بناء على ما سبق: يرى ليوتار أن ما بعد الحداثة لا تستند إلى ما يسمى بالحكايات الكبرى بقدر ما أنها تستند إلى الحكايات الصغرى؛ لقد ساعدت التقنية العلمية على تعرية الحداثة في ترويض الذات واعتماد معيار النجاح كمعيار وحيد للفعالية. لهذه الأسباب فقدت السرديات الكبرى مشروعيتها لصالح ما يسمى، في نظره، بالسرديات الصغرى وكذا استبدال الكلي بالجزئي والواحد بالمختلف. وفي هذا الاتجاه هاجم ليوتار فكرة وجود "حقوق عالمية كأساس للعمل، وعوضا عن ذلك يتضمن الفعل العادل اعترافا بالفروق الجذرية بين الأفراد والثقافات والنظم، وهي فروق لا يمكن التقريب بينها باللجوء إلى عالمية الحقوق".
وفي نفس الاتجاه انتقد أيضا فكرة وجود تاريخ عالمي للإنسانية وهي فكرة نادت وتنادي بها الحداثة ذلك أن مجمل فكر القرنين التاسع عشر والعشرين يتميزان بالدعوة إلى التحرر والانعتاق؛ وهذه بدورها، يقول ليوتار، تعد بمثابة إحدى السرديات الكبرى مثلها في ذلك مثل سردية التاريخ العالمي وسردية انعتاق العمال؛ يقول: "يفترض الإنسان التاريخ الكلي ويسجل ويضع بداخله الجماعة الخاصة بوصفها لحظة من لحظات الصيرورة الكلية للجماعات الإنسانية، هذه هي المشكلة الكبرى للميتا-سرديات المطبقة على التاريخ الإنساني.
رفض الميتا-سرديات تلك واحل محلها التصور الانتروبولوجي الداعي للتعدد والاختلاف، وفي ذلك دفاع عن أطروحة كلود ليفي ستراوس الرافضة لفكرة التاريخ الكلي لصالح التواريخ المحلية والتي هي موضووع الانتربولوجيا وبالتالي رفض عالمية حقوق الإنسان بحجة أن ما يوجد ليس سوى التعدد والاختلاف.
أما بصدد طرح مفهوم العقل فيرى أن تحديده واقتصاره على المجال العلمي أصح من طرحه كمفهوم واسع؛ فهو "مجموع القواعد التي على الخطاب احترامها إن هو أراد معرفة أو تعريف الموضوع"10؛ بمعنى أن العقل أصبح هو العلم الذي بدوره أصبح خطابا مقيدا بقواعد في مقاربته موضوعه؛ وعلى الرغم من ذلك، يقول ليوتار، فإن الخطاب ذاك مقيد بألعاب اللغة وهو ما يؤدي إلى الشك فيه.
وعموما، فليوتار لا يؤمن، كما سبق القول، بالميتا-سرديات التي تفرض تصورها كقواعد أحادية وواحدية على مختلف المجالات بمبرر أنها قواعد عليا، في حين أنها مجالات تتميز بالتعدد والاختلاف في نظره؛ فإذا أخذنا مثلا المنظومة العلمية أو المنظومة الفنية نجد أن قواعدها تتميز بالاختلاف والتعدد إلى المستوى أو الدرجة التي لا يمكن فيها الكلام عن التوفيق بينهم؛ ومبرره في هذا هو عدم تكافؤ ألعاب اللغة بمعنى أنه من غير الممكن الجمع بين ألعاب اللغة بشكل يحقق العدل بينها؛ ويسمى ليوتار هذه العملية ب"عدم التكافؤ في ألعاب اللغة".
بناء على ما سبق، يريد ليوتار العمل على التأسيس لسياسة تستند إلى مبدأ الاختلاف وعدم الإجماع معتمدا في ذلك نظرية الألعاب التي أخضعها لعدد من المبادئ أهمها المبدأ القائل أن ترابط العبارات فيما بينها يكون بناء على سؤال عام من ناحية، وعلى الصراع فيما بينها من ناحية أخرى؛ ليستخلص من ذلك المبدأ العام التالي: "أن تتكلم معناه أن تحارب، وتكون أفعال الكلام داخل ميدان صراع".
وفي هذا الإطار، حدد ليوتار طريقته في التحليل اللغوي في خمس خطواتها : أولها رفضه فكرة إمكان تعديل بنية اللغة بالإحالة إلى الواقع خارجي؛ وثانيها تعريفه وتحديده بنية اللغة بكونها مكونات لا يمكن فهمها فهما كاملا؛ وثالثتها اعتماد قواعد وقوانين الترابط في ربط مكونات البنية اللغوية كعملية ضرورية؛ أما طريقة الربط فلا تعتبر ضرورية؛ ورابعتها البرهنة على تعريف مكونات اللغة كأحداث تؤدي إلى نوع من الخطابات أو ألعاب لغة؛ وخامستها البرهنة على أن ألعاب اللغة يجب أن تكون غير متكافئة.
هكذا إذن، وبفعل العوامل التي سبق طرحها، ارجع ليوتار كل أشكال الحقيقة التي منها الحرب على الخليج، إلى المستوى البلاغي والسردي الجزئي الذي تؤطره منظومة الاختلافات وهو الوضع الذي، كما سبق القول، لا يمكن أيا من مكونات منظومة الاختلافات من امتلاك المصداقية أو نفيها عن الآخر؛ إنه موقف تهجيني أصبح اليوم بمثابة ثوابت ما بعد الحداثة باعتبارها أيديولوجيا النظام الرأسمالي. وقد ذهب البريطاني جيمسون إلى أن هناك علاقة متينة بين ما بعد الحداثة والمرحلة الراهنة للرأسمالية ليخلص إلى أن البديل المنطقي الذي يستجيب لقضايا وحاجيات المرحلة هو الماركسية التي تحدد ما بعد الحداثة، وبشكل صحيح، باعتبارها الإفراز الطبيعي للرأسمالية في مرحلتها الراهنة. وبلغة أخرى نقول أن ما بعد الحداثة هي نمط فكري أفرزه المنطق الداخلي للنظام الرأسمالي في مرحلته الراهنة المبنى على استغلال الموارد الطبيعية والحيوانية والبشرية وفق ثالوثها المقدس : الملكية الخاصة وفائض القيمة وحرية السوق؛ أنه المنطق الذي يقتضي، في مرحلته الراهنة، إزاحة المعنى عن الواقع ليصبح الإنسان في موقع يتقبل فيه كل تمسلكات النظام الرأسمالي؛ لذلك سجلنا، من خلال تصور ما بعد الحداثة، وبشكل واضح من خلال نموذجيها بودريار وليوتار، الدعوة للانفصال عن الأحداث الاجتماعية بحجة افتقاد هذه الأخيرة الدلالة والمعنى. هذا الموقف أفرز لنا ما يمكن تسميته ب"الثقافة لأجل الثقافة" على غرار "الفن لأجل الفن" بمعنى أن انفصال مثقف ما بعد حداثة عن الأحداث المجتمعية، بفعل قوة وقدرات المنطق الداخلي للنظام الرأسمالي في شكله الحالي، جعلهم يشعرون بأنه لم يعد لديهم شيء يقدموه مادام العالم افتقد المعنى والدلالة لصالح الوهم واللامعنى اللذين لم يعد هناك من بديل عنهما. وهذا موقف أيديولوجي عمل ويعمل جاهدا لطمس القضايا العادلة للمجتمعات البشرية والدعوة للاستسلام للوهم ذاك مادام هو الأفضل في نظر ما بعد الحداثة وبالتالي المخرج الايجابي لخروج النظام الرأسمالي من أزماته بإخفاء أشكال الاستغلال المتوحش والاستعمار المتواصل بأشكال أكثر عنفا في العمق وأكثر أدبا على السطح في شكل المناداة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، والمواطنة، والشراكة ..الخ. ولا شك أن فلسفة ما بعد الحداثة كتنظير وأيديولوجيا للنظام الرأسمالي الراهن قد أشرفت على الاصطدام بالطريق المسدود؛ فالحراك والاحتجاج والتظاهر يعم اليوم العالم برمته؛ في الولايات المتحدة الأمريكية، قائدة النظام الرأسمالي الراهن، لم يعد التستر وإلغاء الواقع أمرا ممكنا ولم تعد الفكرة المابعد حداثية القائلة باستحالة الحسم، لها ما يبررها؛ فأزمة العجز عن دفع الديون الخارجية والداخلية أصبح مؤشرا واضحا عن إفلاس النظام الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الأمريكي؛ ولاشك أن العالم كله شاهد الاحتجاجات الجماهيرية في بريطانيا على سياستها الما بعد حداثية الداعية إلى إهمال الواقع وعدم الاهتمام به استجابة لثوابت السياسة المابعد حداثية التي تقتضي فعل ذلك؛ إلا أن الواقع قد فند السياسة تلك بخروج الجماهير بالشوارع محتجة على سحقها واستغلالها وعدم اعتبارها؛ وقد عرفت اليونان بدورها احتجاجات وتظاهرات نددت وتندد بإفلاس الدولة؛ كما عرفت ايطاليا موجة احتجاجات وفضائح نظام يهدد البلاد بالإفلاس؛ وفي نفس الوقت عرفت فرنسا بدورها انتفاضات عدة احتجاجا على تجاهل الواقع واللامبالاة؛ ناهيك عن ما عرفته اسبانيا من احتلال لساحات واعتصامات جماهيرية منددة ومطالبة بحقوقها؛ وهذا وتجدر الإشارة إلى أن السياسة المابعد حداثية في إسرائيل لم تنفلت بدورها من الأزمة؛ فقد عرفت احتجاجات واعتصامات رافعة شعارات من قبيل "ارحل" إشارة إلى النظام السياسي الذي سبق أن أشرنا إلى طبيعته حيث أصبحت الديمقراطية بإسرائيل وبغيرها من الدول السابقة الذكر هي الديمقراطية المابعد حداثية التي لخصناها في "اللاديمقراطية" مادام الواقع، في منظورها، كما سبق أن رأينا لا يعدو كونه سوى وهما وعدما؛ يضاف إلى كل هذا الحراك الذي يعرفه العالم العربي من احتجاجات وتظاهرات واعتصامات.
إذن إذا أصبحت الأزمة السياسية الما بعد حداثية مستفحلة في مجمل دول العالم، خاصة منه دول التحالف الرأسمالي الكبرى، فإننا سنصبح، وباللزوم المنطقي، أمام التساؤل الكبير التالي: ما العمل أمام اقتصاد ما بعد حداثي ونظام سياسي ما بعد حداثي في طريقها إلى الانهيار ؟ أو بلغة أخرى، إفلاس النظام الرأسمالي يقتضي اليوم وأكثر من أي وقت مضى، البحث عن نظام بديل له القدرة على تنظيم التوازن الايجابي بين السوق والمجتمع وبالتالي تدمير السياسة الما بعد حداثية الرأسمالية التي اقتضى منطقها الداخلي، نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، إعادة السبك الاجتماعي للتضحية بما سميناه "بالطبقة المقهورة العالمية الكبرى" لصالح الطبقة البورجوازية الرأسمالية العالمية الكبرى".
محمد بوجنال
- المغرب -
البيبليوغـرافيـا
I- باللغة العربية
- فريدريك نيتشه : الفلسفة في العصر المأساوي الإغريقي ترجمة سهيل القش المؤسسة
الجامعية بيروت 1983.
- مارتن هيدجر : الفلسفة في مواجهة العلم والتقنية ترجمة فاطمة الجيوشي وزارة
الثقافة- دمشق 1998.
- عادل ضاهر : الفلسفة والسياسة دار الساقي 1991.
- مارغريت روز: ما بعد الحداثة ترجمة احمد الشامي الهيئة المصرية العامة للكتاب
1994.
- بيتر بروكر: الحداثة وما بعد الحداثة ترجمة عبد الوهاب علوب منشورات المجتمع
الثقافي 1995.
- مطاع صفدي : نقد العقل الغربين الحداثة، ما بعد الحداثة مركز الانماء القومي بيروت 1990.
- سامي ادهم : ما بعد الحداثة دار كتابات 1994.
- "نحو مفهوم لما بعد الحداثة": ايهاب حسن ترجمة صبحي حديدي مجلة الكرمل العدد 51 العام 1997.
- "من الحداثة إلى ما بعد الحداثة" : كاظم جهاد مجلة الكرمل العدد 52 العام 1997.
- حسام السعد : ضيوف ما بعد الحداثة دراسة سوسيولوجية للثقافة الاسرائيلية المعاصرة دار الفكر 2008.
- فرنسوا ليوتار: ما معنى ما بعد الحداثة ضمن كتاب بيتر بروكر السابق الذكر.
- فرنسوا ليوتار : الوضع ما بعد الحداثي تر. احمد حسان دار شرقيات 1994.
- يورغن هابرماز : الحداثة مشروع لم يكتمل ضمن كتاب بيتر بروكر السابق الذكر.
- جاك ديريدا : أطياف ماركس ترجمة منذر عياشي مركز الانماء الحضاري 1995.
- كريستوفر نورس: التفكيكية النظرية والتطبيق تر: عبد الجليل جواد دار الحوار1996.
- امبرتو إيكو: ما بعد الحداثة والسخرية والامتاع ضمن كتاب بيتر بروكر السابق الذكر.
- "ما بعد الحداثة، مجتمع جديد أم خطاب مستجد" سليمان الديراني مجلة الفكر العربي العدد 78 العام 1994.
- "من أزمة الحداثة إلى فوضى ما بعد الحداثة" رضوان زيادة مجلة الفكر العربي المعاصر العدد 114 العام 2000.
- تيري ايفلتون : أوهام ما بعد الحداثة تر. ثائر ديب دار الحوار العام 2000.
- جياني فاتيمو: نهاية الحداثة، الفلسفات العدمية والتفسيرية في ثقافة ما بعد الحداثة تر: فاطمة الجيوشي وزارة الثقافة دمشق 1998.
II- باللغة الاجنبية
- S. Freud : Essais de pshycanalyse Payot 1951.
- E.Kant : critique de la raison pure P.U.F 1944.
- E. Kant :critique de la raison pratique P.U.F 1960.
- F.Nietzsche : le gain savoir Gallimard 1989.
- M.Heidegger : Sein und Zeit Aufl. 1935.
- J. Habermas : Der philosophicshe Diskurs der moberne suhurkamp 1985
- J.F. Baudrillard : l’illusion de fin Ed. Galilée 1991.
- J.F. Baudrillard : Ecran total Ed Galilée 1997.
- J.F. Baudrillard: le miroir de la production Ed. Galilée 1974.
- J.F. Baudrillard : simulacre et simulation Ed. Galilée 1981.
- J.F. Baudrillard : Modernité Encyclopédia univeralis 1990.
- J.F. Lyolard : Moralités postmoderne Ed. Galilée 1973.
- J.F. Lyolard : la condition de la postmodernité Ed. Minnuit 1979.
- J.F. Lyolard : Dérive à partir de Marx et de Freud Ed. Galilée 1994.
- J.F. Lyolard : Misère de la philosophie Ed. Galilée 2000.
- J. Derrida : l’écriture et la différence Ed. Du Seuil 1967.
- J.Derrida : la différance : conférence prononcée à la société française de philosophie le 27 janvier 1968.