من أهم تصورات نيتشة الفلسفية قوله أن الإله قد مات، فهل الحدث ذاك هو ما يتكرر اليوم في عالمنا العربي؟ من هنا تكمن أهمية الفكر الفلسفي في عالمنا العربي زمن الحراك الجماهيري.
لا حاجة بنا إلى طرح ما عاناه الفكر الفلسفي في العالم العربي من مضايقات حيث أن وجوده كان يقترب من درجة الصفر لأسباب تعرفها النخبة الرجعية والنخبة التقدمية على السواء؛ لكن الكتلة أو الشعب المعني بالعملية بقي أو أبقي بعيدا عن المجال ذاك اللهم قوله أن الفلسفة هي الإلحاد والزندقة وبالتالي، في نظرها، تعتبر محاربتها فعلا شرعيا ومشروعا. واليوم ، نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين، وبفعل حاجيات أعلى أشكال النظام الرأسمالي الذي هو العولمة، طور هذا الأخير من منظوره لنهج ودلالة وموضوع الفكر الفلسفي الذي هو أصلا مبدأ ومقاربة وممارسة تحررية وتحريرية للمجتمعات البشرية، ليبقى فكرا محصورا في دائرة خدمة مصالح النظام ذاك؛ أو بمعنى آخر، فالنظام ذاك حريص على تسجيل أهمية الفكر الفلسفي لكن بتهميشه في نفس الآن وتحديد مجاله في ما سماه بالأخلاقيات؛ ومن هنا شعار أمريكا: الخير والشر: الخير هو طبيعة المعتقد والنظام الأمريكي الرأسمالي الذي هو هبة خصته بها الذات الإلهية دون غيره؛ أما الشر فهو غير ذلك وخاصة منه المتعلق بالمناطق العربية. وقد أخذ هذا المنحى،ما سماه بفلسفة الدفاع عن حقوق الإنسان ونشر قيم العدالة والديمقراطية؛ فهي فلسفة دافعت وتدافع وستبقى تدافع، ما دامت شروط ذلك متوفرة على أرض الواقع، عن صحة كل خطاب ما بعد حداثي يتنكر للواقع أو قل يقوم بإلغائه لصالح واقع لا علاقة له بحقوق الإنسان والعدالة والسلم والديمقراطية؛ وحجتنا في ذلك أن الإنسان العربي، كما هو في الواقع، يفتقر إلى كل وكافة الحقوق الطبيعية والبشرية حيث أن فلسفة حقوق الإنسان كما هي منتشرة في عالمنا العربي وبمباركة ومشاركة عدد من مفكرينا مع الأسف، ما هي في حقيقة الأمر سوى شكل من أشكال العبودية وتسليع الإنسان العربي ذاك بشكل مؤدب ومقبول.
لذا، فالفلسفة في عالمنا العربي الراهن، وخصوصا في ظل هذا الحراك الجماهيري، مطالبة باتخاذ موقفها المنطقي والتاريخي على السواء من دلالات حقوق الإنسان كما هي منتشرة في عالمنا العربي لتتحمل مسؤؤلية توضيح عوامل غياب القيم تلك وبالتالي البحث عن التأسيس الفعلي علما بأن ذلك يتطلب فعل الإرادة وثقافة التضامن وممارسة الصراع على المستويين النظري والعملي ما دامت العوامل النقيضة من نظام دكتاتوري غربي وآخر عربي تابع لها من القوة والإمكانيات ما يجعل التأسيس ذاك عملية تقتضي فعل الصراع ذاك.
فلم يعد المنطق اليوم ولا التاريخ يسمح بإضاعة المزيد من الوقت لإنجاز التأسيس ذاك حيث أن الفكر الفلسفي العربي مطالب بمعانقة وطرح القضايا الأساس للمجتمع كالعيش الكريم والمسؤؤل والصحة والتعليم...الخ باعتماد نهج عقلاني أبعد ما يكون عن الفكر الخرافي وأقرب ما يكون من الفكر المسؤؤل. فكيف يمكن أن تكون هناك حقوق للإنسان في العالم العربي والفلسفة غائبة من الأسواق ،ومن المقاهي، ومن الشوارع ،ومن الابناك، ومن المؤسسات العمومية، ومن المستشفيات، ومن الجرائد ،ومن الأغاني، ومن المسرح وبالتالي من الفن عموما. فمجتمع يفتقر إلى هذا الوضع لا يمكن أن يكون مجتمعا حرا ينعم بالاستقلالية وحرية اتخاذ القرار المسؤؤل، بل يبقى مجتمعا يقترب من درجة هوية الوجود الأدنى الذي هو الصفر.ومن هنا أهمية الفكر الفلسفي، لا باعتباره فكرا يردد ما يحتاجه النظام الرأسمالي بقدر ما أنه فكر يجب أن يصف ويبوب ويصنف ويحلل ويفسر المجتمع العربي قصد تحديد منهجية النهوض به والاعتماد على إمكاناته وقدراته العقلية والذاتية. إنها مهام الفكر الفلسفي الراهن التي يجب أن يبتعد عن كل أشكال التوظيف الذي رسمه وحدده له النظام الرأسمالي والمتمثل في العمل على تزييف الواقع العربي وإظهاره بالمظهر النقيض للذي كان يجب أن يكون عليه.
هذا المنحى الفلسفي العربي البديل هو ما سيمكن الحراك الجماهيري العربي من تحقيق المهام التاريخية المنوطة به ؛ إنه أهم شروط تحقيق النهضة العربية ، أو قل أن كل اجترار حول الفلسفات السلبية والتابعة لن يؤدي سوى إلى تدمير مشروع هذا الحراك الجماهيري الراهن المعول عليه لتحقيق تلك النهضة .
محمد بوجنال
-المغرب -
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire