يعتبر التلفاز من أهم وأخطر أدوات تشكيل شخصية المواطن إما إيجابا وإما سلبا ؛ لذا، فالمخزن ومحيطه يضرب حصارا قويا عليه بغية احتكاره والهيمنة عليه وهو الأمر الواقع منذ ظهوره في عالمنا العربي؛ والمخزن ومحيطه في المغرب لا يستثنى من هذه القاعدة ؛ فهو يهيمن ويوظف وينظم ويوجه هذا الجهاز التلفزي في اتجاه التشكيل العبودي لشخصية مواطني الشعب المغربي. وقد تم إسناد هذه المهمة لأشخاص يتم استدعاؤهم للمشاركة في الندوات واللقاءات المنظمة حول الدستور المتصارع عليه بين المخزن وحركة 20 فبراير وبعض أحزاب اليسار ؛ وقد سمينا هؤلاء المدعوين الأعزاء ب "الشمكار بالتلفاز".
وللتوضيح، فهؤلاء "الشمكارة بالتلفاز" يسمون أنفسهم بالأساتذة والمتخصصين والصحفيين والجمعويين ، في حين أنهم أشخاص يفتشون داخل وفي مزبلة تسمى"التلفاز". استجابة لنداء المخزن من جهة ، وتطفلهم وتقديسهم عملة الدرهم وتسلق المناصب من جهة ثانية، ولعنصريتهم الذاتية ضد الشعب من جهة ثالثة؛ وهكذا فعندما نستحضر بصددهم عمالقة الفكر العالمي في التحليل النفسي كفرويد ومصطفى صفوان وغيرهما سنتأكد من فكرة أن تمسلكاتهم هي أولا وقبل كل شيء اعتداء على شخصيتهم هم بالذات، كما على الشعب المغربي. وتصور هؤلاء العمالقة هو تصور صحيح إلى أبعد الحدود؛" فالشمكار بالتلفاز" شخص مريض الشخصية سيكولوجيا وسوسيولوجيا إلى الحد الذي نقول فيه أن ذاتيته لا تشعر بالارتياح إلا بالتواجد داخل التوازن وإلحاق الأذى بالكائنات البشرية التي هي" الشعب"؛" فالشمكار" ذاك، وهو يتكلم ويحلل ويفسر –مجرد أمراض نفسية وسوسيولوجية بعيدة كل البعد عن الواقع – ويثرثر، فهو في نظر فرويد والفرويديين ، لا يقوم في حقيقته بتحليل وتشريح الواقع، بقدر ما أنه يمارس ويتمتع باللذة الجنسية بواسطة الكلام؛ وكلما أحس بأعلى مراحل اللذة الجنسية تلك ، ضحك بالضرورة البيولوجية.
فهذا" الشمكار بالتلفاز" الذي يقدمه منشط البرنامج كأستاذ أو كمتخصص في القانون الدستوري ...الخ، لم يحترم حتى تخصصه ومهنته حيث أن انتاجاته في المجالات المعرفية تكاد تساوي الصفر، وهذا يرجع لأسباب منها تطفله على المعرفة لأنه أساسا "شمكار"، وثانيا مرتزق يتحين الفرص للحصول على كذا أو كذا، وثالثا أن معرفته في السياسة أو القانون ليست سوى دروسا مقدسة حفظها عن أساتذته وبقي يرددها في المدرجات بالكليات مثله في ذالك مثل "المحضار" أو حافظ القرآن في البادية المغربية. فجهله بالدلالة واضح وجهله بالواقع واضح؛ لذا، فهو في استضافاته من طرف المخزن بالتلفاز ليس سوى رجلا شمكارا لا يصدر عنه سوى كلام فارغ القصد منه الخلط والتغميض والتمييع لا أقل ولا أكثر؛ وإذا استدعينا الانتربولوجيا –علم دراسة الإنسان – ستقول أن الأعراب قالت منذ قدم الزمن: فاقد الشيء لايعطيه.
هكذا ، وبصدد حراك الشعب بالمغرب استضافت التلفزة المغربية أوجها ليس بينها وبين فلسفة الحراك والانتفاضات والثورات إلا الخير والإحسان؛ فهي أوجه تعمل كل ما في وسعها من ثرثرة وتلذذ بالكلام على تزوير حقيقة وواقع الشعب المغربي بتقديمه للنظارة والمشاهدين كشعب كتقدم تحت قيادة نظام ملكي ديمقراطي: فنسبة التعليم مرتفعة وذات جودة عالية ، ونسبة البطالة ضعيفة على الرغم من الأزمة المالية العالمية ، ونسبة الإنتاج مرتفعة ، واقتصادنا يتمتع بمناعة تنافسية في السوق، ونسبة الوفيات منخفضة، وأثمنة الخضر عادية، والسكن متوفر والصحة متطورة ...إلى غير ذلك من المغالطات؛ ليستخلص "شمكارنا بالتلفاز"، لأن المغرب هو الدولة الأكثر تقدما وديمقراطية في العلم العربي.
هذا الاستنتاج لا يستحق أي تعليق لأن مصدره هو "المكار بالتلفاز" الذي يفتقر آليات البحث العلمي لصالح آليات الحفظ عن ظهر قلب. ونتذكر، على سبيل المثال، حركات أحد هؤلاء "الشمكارة" في إحدى الحلقات التلفزية الذي صاح في وجه أحد ممثلي حركة 20 فبراير قائلا: اسمع، أنت أولا لا تعرف معنى الدستور علما بأن الشخص الذي قمعه"الشمكار بالتلفاز" قد أعطى التوضيح السليم وبالتالي التحديد البناء للدستور؛ إلا أن" شمكارنا" العزيز، نظرا لضعفه ومحدودية تكوينه ، وغياب التربية في مداخلاته، ظل طوال الحلقة يتقيأ الدروس المحفوظة عن ظهر قلب التي يلقيها على طلبة المستقبل بالمدرجات بالكليات ويكرر بشكل عنصري القول: أنت لا تعرف أولا معنى الدستور ولا القانون ؛لقد عرقل صاحبنا النقاش وميعه لأنه، من جهة، لا يمكنه أن يذهب إلى أبعد من ذلك ، ولأن الوظيفة المسنودة إليه في الحلقة هي الدفاع عن المعلومة التي أوصاه بها سادته. والأمثلة من هذا القبيل التي شاهدها المواطن المغربي كثيرة وكثيرة لأن هناك هدف أساسي هو ضرورة تجميد وتسليع الشعب لتجنب كل احتمال لظهور انتفاضات أو احتجاجات أو إضرابات أو...الخ. لقد كان الخطاب الموجه إلى الشعب خطاب يكن العداء للشعب باعتباره رعية يحميها ويعطف عليها المخزن الذي كلفته الذات الإلهية برعايتها؛ هكذا يفكر "الشمكار بالتلفاز"، وهكذا يتحدد خطابه إلى الشعب؛ فالمسئولية المسندة إليه من جهة، وضعف تكوينه وضميره الوطني والأخلاقي من جهة ثانية، والتزامه وقناعته بتقديم الولاء والمحبة والخدمات للمخزن، كلها عوامل جعلت من "شمكارنا بالتلفاز" مرتزقا يبدل كل ما في وسعه لإظهار حاجة الشعب إلى الوصاية والتمثيلية عبر دستور دموقراطي/نموذج، في نظره، بدونه لن يكون سوى الفوضى والاضطرابات؛ وفي هذا هلاك ،في نظره، للأمة المغربية.
إن "الشمكارة بالتلفاز" الذين استضافتهم التلفزة المغربية قد زيفوا وزوروا وميعوا أطروحة الشعب بإبراز أن الدستور المصوت عليه هو دستور دموقراطي يؤسس لحقبة مغربية جديدة أكثر تقدما وحضارة؛ أو قل أن الدستور ذاك، في نظرهم، يؤسس لمغرب حداثي نموذجي في العالم العربي، معتمدين كمقياس دروس مثقفي فرنسا الاستعمارية التي سبق أن قلنا أنهم حفظوها عن ظهر قلب ومنحوها مكانة التقديس والقدسية والتي كلما سحبت منهم، يصبحون أشخاصا أميين في مجالي السياسة والقانون. بفعل هذه الآلية وغيرها مما سبق ذكره هاجمت جماعة "الشمكارة بالتلفاز" حركة 20 فبراير ومدعميها باعتبارها الحركة النقيض لتصورات أسيادهم، حركة حددت الدستور، لا باعتباره جملا أو فقرات مصدرها مؤلف أو كتاب الفرنسي الفلاني أو الفلاني، بل مصدره قضايا ومشكلات واقع المجتمع المغربي كالقول برحيل رجالات المخزن الذين نهبوا ثروات الشعب المغربي وكذا ضرورة محاسبتهم أمام القضاء، قضاء يدستره الشعب لاأذناب ومرتزقة المخزن، وإعادة توزيع ثروات الشعب على مواطني الشعب. فهذا الأخير هو الذي ينتج، وهذا الأخير هو الذي يكد، وهذا الخير هو الذي يؤدي فواتير الديون الداخلية والخارجية لصالح النخبة المخزنية التي تتميز بالنهب والتمتع بالحرية وأشكال المعرفة. إذن ،نقول أنه لا يمكن ومحيطه التنازل عن الثروات التي اكتسبتها بشكل غير مشروع بنهج آليات الحوار والنقاش والتوافق؛ فالعامل الحاسم هو عندما يصبح ميزان القوى في ملكية الشعب؛ في هذه الحالة سيتمكن كشعب من التأسيس لدستوره الذي لا يمكن أن يكون إلا دستورا دموقراطيا؛ فتعلن بذلك صيرورة التاريخ انهزام المخزن وانهياره ، ليختفي،وباللزوم المنطقي، "الشمكار بالتلفاز" وكل أشكال "الشمكارة" ومنهم "الشمكار الجمعوي" الذي سيكون موضوع حلقتنا المقبلة.
محمد بوجنال
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire