mercredi 21 septembre 2011

ما معنى المجتمع المغربي؟ التأطير النظري والمنهجي: "ظاهرة الشمكارة في المغرب"كنموذج

إلى من يهمه الأمر


لاشك أن المقاربة النظرية والمنهجية لموضوعنا :"ظاهرة الشمكارة في المغرب" والذي جزأتاه في ست حلقات ستنشرها بمجملها بالواحة ، يقتضي منا كتوضيح لأحد القراء مع كامل التحيات له،أن المجتمع المغربي هو على التوالي التعدد الخالص الذي نسميه "بالوجود" ، و"الوجود-هنا" الذي هو بالضرورة وجود مع الغير. فالدائرة الأولى هي دائرة العناصر الخالصة والمجردة التي،بفعل أصلها ذاك، هي عبارة عن علاقات"تكون" بدورها خالصة:لا هيمنة ولا سيطرة ولا دونية بداخلها ؛ فلا يوجد سوى العلاقات التي هي موضوع الفكر الفلسفي والرياضيات؛ وبطبيعة الحال، فالمجتمع المغربي،كأي مجتمع، هو في جذره من هذا القبيل؛ مجتمع فلسفيا ورياضيا "يكون" متخلصا من الدونية والطبقية والهيمنة؛ أما "الوجود-هنا" فيقتضي القول أن المجتمع المغربي لم يبق محصورا في دائرة العلاقات الخالصة بقدر ما أن مكوناته لم يعد مسموحا لها أن تعيش منعزلة عن بعضها البعض؛ ف"الوجود-هنا" للمجتمع المغربي هو التعدد الذي لا يمكن فصله عن الذرة التي تكاثرت وتتكاثر وستبقى تتكاثر"يكون" المجتمع المغربي ذاك محكوما بعلاقات التعدد والتركيب، علاقات أخذت شكل قوانين وقواعد وأعراف وأخلاقيات ذات مصدر فوقي له طبيعته الاستبدادية. ومن هنا المفهوم الثالث لتأطير المجتمع المغربي وبالتالي تأطير موضوعنا النموذج:"ظاهرة الشمكارة في المغرب" كما سنرى.

فإذا أصبح المجتمع المغربي عبارة عن بنية حيث ترتبط مكوناتها، وبالضرورة، جدليا فيما بينها ، فإن ذلك قد تم التأسيس له من خلال ما نسميه"بالدائرة الرنسندنتالية" –أي المتعالية أوالفوقية- التي هي مجموع القيم والقواعد والقوانين والأخلاقيات والأعراف التي عملت الفئات الاستبدادية تلك، بفعل حصولها في التاريخ على موقع الهيمنة والسيطرة على نشرها وإعطائها صبغة المشروعية. ومعلوم أن الفئة تلك، بما أنها لاوطنية،، فلن تكون "الدائرة الرنسندنتالية" سوى كونها الدائرة التي نظرت، وبشكل أضفت عليه صبغة المشروعية خصوصا في أشكالها الميتافيزيقية ،لكل أشكال الظلم والحيف والدونية والفساد والتحايل...الخ؛ لكن فهم موضوعنا:"ظاهرة الشمكارة في المغرب" بشكل أدق، يقتضي منا استكمال دلالة "الدائرة الرنسندنتالية" المتمثلة في عملية تنظيم وترتيب مكونات المجتمع المغربي في مختلف أشكاله الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمعرفية .فالمنطق الداخلي الاستبدادي للدائرة تلك ألزم ويلزم وسيلزم،أذا توفرت له الشروط، ، المجتمع المغربي بالتنظيم والتقسيم إلى شكلين من "الوجود" يتوسطهما ثالث: لأولهما نسميه" بدرجة هوية الوجود الأدنى"، وثانيهما "بدرجة هوية الوجود الأقصى"، وبينهما درجات من هوية الوجود التي هي ليست بالدنيا ولا بالقصوى.

فإذا أخذنا الشكل الأول من الوجود،"درجة هوية الوجود الأدنى"، فنحددها بأنها الشكل من "الوجود" الذي يقترب من درجة وجود الصفر؛ وهنا المقصود بالذات هو "الشعب" المغربي الذي يحيا بشكل أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه شبه ملغى؛ لذلك لا نندهش إذا كنا نسجل استغلاله وتوظيفه وبسهولة عند الحاجة من طرف الجهة المهيمنة والأخرى المسيطرة؛ وأفضل مثال حي وحديث عن ذلك هو تجنيد بعض فئاته لمواجهة حركة 20 فبراير؛ أما الشكل الثاني من "الوجود"، درجة هوية الوجود الأقصى ،فنحدده بأنه الشكل الأقصى من"الوجود" حيث الهيمنة والسيطرة للمخزن على مختلف المستويات. أما ثالث أشكال "الوجود" فهو درجات هوية الوجود المرتبة ما بين الوجود الأدنى والوجود الأقصى والذي تحتل أعلاه الفئة المؤهلة من أعلى فئات الطبقة المتوسطة لتسلم مهام تدبير شؤون الدولة كلما اقتضى الأمر ذلك؛ أما باقي الفئات من أطباء ومحامين وأساتذة وتجار متوسطين، فقد أصبحوا، بفعل عوامل كثيرة، أقرب إلى الانضمام لفئات درجة هوية الوجود الأدنى. فهذا هو المنطق الداخلي" للدائرة الرنسندنتالية" وهو منطق، كما سبق القول، أسس له المخزن للحفاظ على المعمار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي لمكونات بنية المجتمع المغربي وبالتالي ضمان هيمنته وسيطرته. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدوائر مجتمعة، ليست منفصلة عن بعضها البعض داخل النظرية بقر ما أنها مرتبطة جدليا، أو قل بلغة فلسفة الرياضيات أن الدوائر تلك تنتمي جدليا إلى المجموعة الكبرى مع فارق درجة هوية الوجود الذي يحتل فيه المخزن الدرجة العليا. لذا" فالدائرة الرنسندنتالية" تلك، نظرا لطبيعتها قد عملت وتعمل على تشكيل وتكوين المواطن المتشبع بأشكال الفساد والبحث في المنكسات- تفهم بالمعنى التأويلي- سواء كانت صناديق أو ميزانيات أو عقارات أو رشاوى أو ما شابه. لذلك سمينا كل هؤلاء "بالشمكارة" نظرا لوضوح وقوة دلالة هذا المفهوم في الثقافة الشعبية المغربية الذي هو مفهوم مرتبط بالسلوكيات المحتقرة وبكل أشكال الأوساخ من تحايل على ممتلكات الشأن العام وتآمر على الميزانيات وسيطرة على الصناديق واحتراف الارتزاق وممارسة الزور وانعدام الضمير وما شابه ذلك من الأوساخ. إنه واقع لايمكن أن ينكره ويدافع عنه إلا الذين ينتمون إلى إحدى فئات "الشمكارة" .

ولا يفوتنا هنا إلا أن نشير إلى من يهمه الأمر، إلى أن النظرية والمنهج واللغة والإشكالية كلها عمليات مرتبطة منطقيا علما بأن المنطق ذلك ملزم بالاستجابة لجدلية الفكر والواقع. وقد حددنا المنهج في دراستنا"لظاهرة الشمكارة في المغرب"، في كونه منهجا يتلخص في الترتيب والوصف وهو ما مارسناه في الحلقات الست من دراستنا نظرا لكون الظرفية الحالية تفرض ذلك النهج وبلغة تحترم قاعدة جدلية الفكر والواقع المغربي الراهن ، ثم التحليل والتركيب وهو ما عرضناه بنوع من التركيز في هذه الورقة.

وفي هذا الإطار النظري الذي الأساس فيه هو "الوجود-هنا" الذي هو الذرة المتكاثرة أو قل المادة، والرئيسي فيه هو السياسي، يتم تشكيل فئات المجتمع المغربي بالشكل الذي يستجيب لحاجيات المخزن، وهو الشكل الذي ،في أغلبيته، يعز عليه العيش في الأوساخ وبالأوساخ ومن خلال الأوساخ؛ لدا، ارتأينا أن ليس هناك من مفهوم كثيف وواضح المعنى يطلق عليهم سوى مفهوم "الشمكار".

ونضيف إلى من يهمه الأمر أن كل نظرية علمية لا بد أن تطرح بديلا للوضع القائم ، وهو بالكاد، بصدد مجتمعنا المغربي وضع وسخ يقتضي ضرورة تدمير "الدائرة الرنسندنتالية" الاستبدادية وإحلال محلها "دائرة ترنسندنتالية" عادلة يتولى التأسيس لها مكونات الشعب تشريعا وتنفيذا وتدبيرا وعدلا؛ في هذه الحالة ستختفي "ظاهرة الشمكارة بالمغرب" لصالح دائرة الإبداع والإرادة والرغبة والمسئولية والتنمية وبالتالي النهضة.

محمد بوجنال

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire