موضوع "شمكار الشارع" يقتضي استحضار عاملين لا بد من طرحهما نظرا لأهميتهما في خلق وتفسير وفهم هذه الظاهرة: عامل الفقر وعامل الغنى. فالتشكيلة الطبقية الاجتماعية. فالتشكيلة الطبقية المغربية واضحة إلا من أراد التمويه على ذلك لأسباب هي ذاتها مادية طبقية. لا شك أن الطبقة المغربية المقهورة هي الطبقة الأكثر فقرا والتي تتكون من عدد من الفئات نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر الفلاح المسكين والبائع المتجول المسكين والعامل المؤقت المسكين والمهمش المسكين. أبناء كل هذه الفئات وغيرها هم الذين يشكلون ما نسميه بجيش من "شمكارة الشوارع".
تتميز هذه الفئة من "الشمكارة" بالجهل تارة خصوصا منها النازحة من البوادي، وتارة من شباب له مستوى ضعيف من ابتدائي أو إعدادي أو ثانوي؛ كما إن هذه الفئة تتميز بعدم الاستقرار عائليا ووجدانيا، فنجد أغلبها يقضي نهاره وليله بالشوارع وأماكن أخرى مخيفة دون أن يتساءل أو يبحث عنهم حتى أقرب أقربائهم كالأبوين ؛ لقد سلمهم الجميع بشكل مجاني إلى لوبيات المخدرات بالشوارع.
فهذا الوضع الآن، وضع الفقر، حتم على "شمكار الشارع" أن ينظر إلى غيره الذي هو بدوره جزء لا يتجزأ من الطبقة المقهورة المغربية باعتباره النقيض والعدو الذي سلبه حقه في الوجود؛ فهو الذي رفض تشغيله وتعليه ومنعه من العيش الكريم. لذلك، ف"شمكار الشارع" يحقد على كل فئات محيطه محملا إياها مسئولية فقره وضياعه وحرمانه. هذه العوامل مجتمعة من فقر وجهل وضعف في المستوى التعليمي جعلت "شمكار الشارع" يبحث عن مهدئ يمكنه من الهروب أو قل نسيان هذا الوضع فنجده، كرد على كل ذلك، في حالة تخدير دائم خصوصا بواسطة القرقوبي لعدة عوامل منها كون الثمن في المتناول وسهولة الحصول عليه في الزمان والمكان وقرة مكوناته في التأثير السريع على الجهاز العقلي وإعطاء "الشمكار" ذاك القوة والمبادرة والشجاعة في إلحاق الأذى بالمواطنين مستعينين بأدوات عنف خاصة منها الآلات الحادة والسيوف؛ وهو في كل ذلك لا يهمه سوى تحقيق ما تفرضه عليه هلوساته المتمثلة في سلب المواطن المسكين ممتلكاته الشخصية التي لا تسمن ولا تغني من شيء كما معه من دريهمات أو هاتف نقال...الخ مع إلحاق الأذى به أحيانا بالآلات الحادة ،وأحيانا أخرى بالضرب واللكم، وأحيانا ثالثة بالتهديد. غنه في كل هذا، يتصرف وفق منطقه الداخلي الذي هو منطق شكل المخدرات المتناولة قصد الحصول على أساس الوجود الذي هو المادة؛ وكلنا نعلم أنه لا معنى للوجود في غياب المادة وبالتالي نقول أن "شمكار الشارع" محروم من حقه في الوجود، حق حوله من وجود شريف وكريم إلى وجود إجرامي هو عبء على كاهل المجتمع المغربي أو قل خسارة لطاقة نسبة معينة من طاقة أبنائه التي أصبحت تقوم بتعطيل حركية هذا المجتمع التي من أهمها توظيفهم للاعتداء على الحركات التي تدافع وتطالب وتناضل صالح استرجاع حقوقهم التي سلبها منهم المخزن ومحيطه.
لقد انتهج المخزن خطة تمويل "الشمكار في الشارع" وإمداده بما يكفي من المخدرات قصد الاعتداء على حركة 20 فبراير ومدعميها مستخدمين الآلات الحادة والسيوف والحجارة والقنينات الزجاجية دون إدراك خطورة ما يقومون به لأن العقل معطل. فالحركة، في كل المدن المغربية تعاني من خطر وتهديد وإلحاق الأذى بها من طرف هذه الفئة من "الشمكارة" مجندة ومجيشة من طرف نوع آخر من "الشمكارة" سميناه في إحدى الحلقات السابقة ب"الشمكار /الموظف"؛ والهدف إحباط مطالب الشعب التي هي جزء لا يتجزأ من مطالبه المشروعة هو نفسه ؛ لكن المخدرات جعلته لايفهم سوى ممارسة الاعتداء على كل من نادي، كحركة 20 فبراير، بمحاسبة ومحاكمة ناهبي المال العام ولوبيات الفساد، تحت ضغط الإرشاء والرشوة. لذا، نقول أن "شمكار الشارع" دائما خطير: خطير عندما بكون غير واع بذاته؛ في هذه الحالة سيمارس الأذى على ذاته أولا والآخرين ثانيا وبالتالي يسهل توظيفه لخدمة المخزن ومحيطه ؛ ويكون خطيرا ثانيا عندما يكون واعيا بوجوده؛ في هذه الحالة سيمارس العنف المنظم أوالإحتجاج السلمي والواعي ضد المخزن ومحيطه ما دام وعيه قد مكنه من أن عدوه الحقيقي وسالب حقه في الوجود هو المخزن بالذات. إلا أن النوع الأول من "شمكار الشارع" هو النوع السائد في المغرب نظرا لمجموعة من العوامل ذكرنا أهمها سابقا.
أما العمل الثاني الذي لا يد من طرحه لفهم "شمكار الشارع" فهو المتمثل في لوبيات المخدرات التي تحترف تجارة الحشيش والكحول السيئة والقرقوبي وما شابه. فالترخيص أو التزويد لبيعها يخضع لقواعد وعمليات تراتبية تبدأ بالتاجر في المخدرات تلك وتنتهي بالبائع الصغير في المقهى أو الحديقة العمومية أو في الشارع أو في أحد مناطق الحي حيث تهافت الزبائن لشراء الكمية المبتغاة من المخدرات التي تمكنه من نسيان وضعه أو قل مشاكله السيكو- سوسيولوجية والمادية؛ فتزداد بذلك عدوانيته أكثر فأكثر تجاه محيطه القريب منه. فنظرا لعدم الاعتراف بوجوده، ونظرا لإحساسه بالهامشية والدونية، يشرع "شمكار الشارع" في التمرس على إتقان أو تعلم سلوكات تصبح خطرا على غيره كالسرقة أو الهجوم على المواطنين أو ممارسة العنف للحصول على ما يسد به حاجياته. لذا، نجد هذه الفئة من "الشمكارة" تشكل فيما بينها جماعات متفاوتة العدد تتناول ما تحصل عليه من هذه المخدرات.إنها زبون لفئة أخرى محترفة في بيع المخدرات تلك ؛ فهذه الفئة الأخيرة تشتغل بأساليب وعبر قنوات متعددة ومدروسة وذات تنظيم محكم؛ أقل ما يمكن القول عنه كونه مرتبط بشبكة المخزن ومحيطه؛ بل يمكن القول أن لوبيات المتاجرة في المخدرات لم تكن في حقيقتها سوى مكونات المخزن ومحيطه؛ فالكميات توزع بشكل مكثف ومؤمن من طرفهم؛ لذا، فتزويد السوق بأشكال المخدرات لتلبية حاجيات "شمكار الشارع" هي عملية تمر عبر قنوات ذات احتراف ملحوظ ؛ وفي هذا إغناء لهذه اللوبيات نظرا لموقعها داخل البنية المجتمعية المغربية حيث تداخل الملفات والمصالح المشتركة والحماية المتبادلة.فتجار المخدرات، لتصريف سلعتهم وتوزيعها يعتمدون النظام التراتبي؛ فالتاجر الكبير يعتمد التجار بالكوطا، وهؤلاء يعتمدون التجار الوسطاء، والأخيرين يعتمدون التجار الصغار لنصل إلى أدنى هذه التراتبية المتمثل في البائع في الشارع أو الحي أو الحديقة أو المقهى.
هذا، والهاجس الذي يحرك بائعي ومروجي المخدرات، كيفما كانت تراتبيتهم، يلخص في هاجسين اثنين: الأول مادي إذ أن المردودية المادية تعتبر بمثابة الحافز والهدف الأساس؛ وقد دلت التجارب أن الأرباح في هذا المجال تعتبر مرتفعة وبشكل سريع؛ أما العامل الثاني فهو العمل على خلق الآليات والمواد المخدرة لتخريب طاقات أبناء الشعب؛ ومن هنا أهمية العلاقة بالمخزن الذي يحبذ تنويم طاقات الشعب؛ فشعب يعاني اقتصاديا: لا دخل له ولا شغل ، واجتماعيا: المعاناة من الدونية والتهميش، لا يمكن اتقاء شره إلا بتسهيل تزويد وبيع المخدرات من طرف مختلف اللوبيات. ونظرا لغياب الدراسات السوسيولوجية – سبات السوسيولوجيين إما لضعفهم أو للشك في شهاداتهم- نقول أن الشعب المغربي يعاني المشاكل والقمع والمضايقات...الخ خصوصا الشباب منه؛ لذا، نسجل الإقبال الكبير من طرف هذه الفئة الأخيرة على تعاطي المخدرات وهو وضع أنعش وينعش السوق وبالتالي ارتفاع الأرباح والفوائد ليبقى "شمكار الشارع" الزبون الأساس والدائم لتجار وبائعي المخدرات. ينتج عن هذا، اغتناء تجار المادة من جهة، ومن جهة أخرى تشكيل شخصية جيل يكون رهن إشارة المخزن ومحيطه الذي يتم توظيفه ضد كل التمسلكات التي يمكن أن تمس بالنظام أو المطالبة بحقوقها المشروعة كحركة 20 فبراير ومدعميها، هكذا إذن، تم توظيفهم من طرف المخزن لمواجهة مطالب الشعب المغربي.
ففي نظر المخزن، وهذه قاعدة معروفة، لئيمكن مواجهة الشعب إلا فئات من الشعب ذاك يتم تكوينهم وحمايتهم وإرشاؤهم بما يكفي من النقود المطلوبة للحصول على المخدرات التي تمكنهم ، بالمغامرة والاندفاع، من الإعتداء على مطالب حركة 20 فبراير في كافة مناطق المغرب؛ كأن كل المدن المغربية لم تعمل سوى على خلق هذا النوع من الكائنات البشرية التي سميناها ب"شمكار الشارع" وبالتالي غزوها من طرف تجار المخدرات، لتصبح مجنا تحت رحمة "شمكار الشارع" كلما نادى المخزن بذلك.
هكذا نصل إلى نتيجة أن "شمكار الشارع" هو ابن الشعب ، وأن الذين يتم توظيفهم لتدمير مطالب الشعب ذاك هم أبناؤه المخدرون. لذا ، نؤكد أهمية القاعدة التالية التي سبق أن قمنا بصياغتها: "شمكار الشارع" دائما خطير: خطير على ذاته وغيرها من الذوات كلما كان في حالة استيلاب وتخدير؛ وخطير كلما وعى ذاته فأصبح يميز بين حقوقه التي هي حقوق الشعب وتمويهات ومراوغات النظام المخزني ومحيطه.
محمد بوجنال
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire