من المسلمات المعروفة، أن العالم يخضع لحد الساعة لما يسمى بالنظام الرأسمالي ذو الرأسين المتناقضين: اللبرالي الذي يقول باحترام الإنسان عندما يكون بصدد مواطنية الغربيين ، والدكتاتوري المستبد عندما يكون بصدد مواطني دول الجنوب الذين يعاملون المعاملة الدونية التي هي بالكاد المعاملة العبودية. هذا النظام له بناؤه الذي لا يمكن أن يوجد بدونه والذي منه مجموعة من الآليات التي نذكر منها موضوع حلقتنا هذه والذي هو المؤسسات الجمعوية؛ فهذه الآلية تحظى بتمويل كبير وملحوظ من طرف هذا النظام اللاإنساني؛ وهو بهذا يوظف أشخاصا في دول الجنوب تسند لهم مهام الإشراف على المؤسسات الجمعوية تلك. والهدف بطبيعة الحال هو العمل على تدجين الموارد البشرية في دول الجنوب وبالتالي الانفراد بالسيطرة على مواردها الطبيعية وتوجهاتها السياسية.
فهذا التمويل الذي تحظى به تلك المؤسسات الجمعوية جعل العديد من قناصي الفرص ومنعدمي الضمير يتهافتون على تقبل الإشراف والانخراط بهذه الجمعيات لا لشيء إلا للاستحواذ على التمويل ذاك وهو واقع الحال بالذات؛ لذلك نجدهم يكثفون من الاتصالات التي تمكنهم من الانضمام إلى الجمعيات تلك للإشراف من خلالها وبفعلها على تنفيذ برامج النظام الرأسمالي الدكتاتوري المتمثل، كما قلنا، في تجميد وتسليع واستغلال مجتمعات دول الجنوب. فالرجل هذا له الاستعداد الكافي والفعلي لتنفيذ أجندات الاستعمار وكذا الدوس على كرامته هو أولا، والإنسانية ثانيا، والوطن ثالثا. لذلك فالتسمية التي تلائمه هي، حسب تصورنا، "الشمكار الجمعوي".
نحدد "الشمكار الجمعوي" في كونه الشخص الذي "يسندف" ويفتش ويشم روائح كل أزبال وأوساخ القارورات التي يعتبرها علاجا لأمراضه؛ فالأزبال والأوساخ والقارورة ما سوى أوساخ من نوع آخر تتمثل في نهب مال وصناديق الجمعيات تلك. فالحاجيات الداخلية للنظام الرأسمالي الدكتاتوري اقتضت خلق ونشر وتشجيع هذا النوع من "الشمكارة"؛ لذلك، فنحن لا نندهش من حقيقة انتشاره كالفطر في المغرب، من طنجة إلى الكويرة. فداخل هذه الجمعيات، يقوم "الشمكار الجمعوي" بالسهر على تشكيل شخصية الشباب في اتجاه تعطيل جهازهم العقلي والحسي وكذا تحذير وتعميق جهلهم بأسس ومكونات مجتمعهم.
بناء على ما سبق، ف"الشمكار الجمعوي" لا يهمه سوى التسابق وأشكال التحالفات والمراوغات وكل أشكال الحيل للتمكن من الحصول على حصة الأسد من ميزانيات الجمعيات تلك. لذلك نقول ونجزم أن " شمكارنا الجمعوي" العزيز، مسئول عن تخريب وتدمير جزء مهم من طاقة الشعب المغربي المتمثلة خاصة في الشباب حيث ساهم في خلق شروط انحلالهم وضعفهم وتدمير ضميرهم وكذا شخصيتهم أو قل استلابهم واغترابهم عن ذواتهم وإنسانيتهم ووطنهم على السواء. فجمعياتهم التي تنشأ كالفطر هنا وهناك لتنفيذ عملية تفريغ الشباب من محتواه الحقيقي ،كان مت المفروض والمنطقي أن تكون جمعيات في خدمة بناء شخصية الشباب للتمكن من تحقيق التنمية والنضال الواعي بمعنى الوجود.
إذا كان "الشمكار الجمعوي" على هذه الشاكلة، وهذا هو واقع الحال، فالقضية الموالية التي أصبحت تفرض نفسها علينا هي قضية الدستور في المغرب. لقد احتاج المخزن ومحيطه إلى كل أشكال الشمكارة الذين يهمنا منهم في هذه الحلقة "الشمكار الجمعوي"، للدعاية له وتعبئة جهات كثيرة تعاني الأمية والفقر؛ فتم توظيف منخرطي الجمعيات ومسئوليها "الشمكارة"، توظيف نسبة كبيرة من الشباب المغربي لخوض معركة الدعاية الداعية إلى التصويت ب"نعم" على الدستور؛ وقد نجح " الشمكار الجمعوي"في إحراز نجاح ملحوظ في الموضوع، نجاح خول له الحصول على نسبة مهمة من المال الحرام من جهة، ونهب ميزانية الجمعية التي تبرع بها المخزن عليها ن أو قل تبرع بها على "الشمكار الجمعوي" وبوعي، أو تبرعت بها جهات أخرى تنتمي للعالم المسمى بالمتقدم لتحقيق هدف ضمان السيطرة على الوطن من جهة والاستجابة لمطالب المخزن بالتصويت بنعم على الدستور الذي لا يمكن أن يكون سوى الدستور الذي يخدم مصالح الغرب ذاك. لقد ميع "الشمكار الجمعوي" الساحة الثقافية والجمعوية بتنظيم الندوات المميعة واللقاءات المفبركة والحفلات المشوهة والأنشطة الشكلية مستفيدا في ذلك من ميزانية ضخمة يتسلمها من جهات هو أدرى بحيثياتها ومواقعها. إذن ما يحرك "الشمكار الجمعوي" هو أساسا العامل المادي الذي أوضحت التجارب أنه مستعد للتضحية بكل شيء في سبيل الحصول أو الانقضاض أو الإستحواد على الميزانيات تلك. واستفادته هذه غير محصورة في خدمة التصويت على الدستور، بل وكذلك لتوظيف الطاقات الموفرة والمتوفرة لديه والتي أهمها الشباب الذي يقوم بدوره باستقطاب الفئات الأمية؛ كل ذلك لضمان نجاح وفوز مكونات المخزن ومحيطه في الانتخابات البرلمانية والجماعية والتي يحظى بتمويلها وحمايتها.
إذن ف"الشمكار الجمعوي" هو العبد الخدوم الذي يستجيب لمختلف نداءات سادته كلما اضطرتهم الحاجة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية إلى ذلك ما دامت جمعيته تتوفر على جيش من الشباب الخدوم والمخدوم والمنوم بفعل التخدير الكلامي.
وبهذا، فكل ملاحظ أو متتبع للشأن المحلي أو السياسي أو الاقتصادي يسجل استفزاز "الشمكارة الجمعويين" لحركة 20 فبراير وكل الجهات المساندة لها بالمساهمة في تنظيم المسيرات الشكلية وغير النظيفة أو حمل شعارات يجهل الشباب معناها؛ وكل ذلك كعربون قوة تظهره لأسيادها مؤداه أن لها من القوة والقدرة الكافية لدحض وتدمير مطالب الشعب المغربي التي هي نقيض مصالح المخزن ومحيطه. بهذا الوضع يتمكن " الشمكار الجمعوي" من امتلاك عطف سادته علما بأنه يبقى دائما ، مهما قدم من خدمات، في مرتبة الخادم الوفي لأسياده. وبصفة عامة، ف"الشمكار الجمعوي" شخص يشم بشكل دقيق وسريع روائح ميزانيات الجمعيات التي يغدق بها عليه إما المخزن المغربي أو الجمعيات الدولية والعالمية. وفي هذا كله، تجد "الشمكار الجمعوي" ذاك في سباق محموم ودائم للإستحواد على الميزانيات تلك مضحيا بكل أشكال القيم والأخلاق؛ وهو في كل ذلك لا يقوم سوى بالدور الوسخ المتمثل في خدمة المخزن ومحيطه ؛ لكل ذلك سمينا شمكارنا العزيز ب"الشمكار الجمعوي".
محمد بوجنال
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire