vendredi 29 juillet 2011

النظرية الجماهيرية ودلالة الديمقراطية في دول الجنوب

مما هو معروف، ان الديموقراطية فى النظام الراسمالى قد عرفت انحطاطا كبيرا سواء على مستوى مؤسسات الدولة او على مستوى مؤسسات الشعب نفسه التى تمكنت بالفعل من شل قدراته وامكاناته وفعاليته فى المشاركة وصنع القرارات السياسية وهو ما يطرح ضرورة التجاوز وطرح البديل فى نفس الان،البديل الدى لايمكن ان يكون سوى الديموقراطيةالمتشبعة بالمساواة والعدالة وحقوق الإنسان وضمان الحريات والمشاركة الفعالة في صنع واتحاد القرارات وتحمل مسؤولية كل دلك. هدا النوع من الديموقراطية لا يمكن إن يكون سوى الديموقراطية الاشتراكية. ومعلوم إن تحقيق دلك يتطلب كسر الإطار الينوى للنظام الراسمالى وهى عملية تتطلب معرفة تقنيات دقيقة لإمكان حصول دلك خصوصا وان الاشتراكية اليوم، وبعيد انهيار إحدى تجاربها، توجد في وضع سيء. لكن حتمية التاريخ وصيرورته تسير في اتجاه خدمة الإنسانية وتحريرها من كافة أنواع الميز والاستغلال والاستبداد وهو ما يعنى السير في اتجاه بناء والتحقيق التدريجي للمشروع الديمووقراطى الاشتراكي، مستقبل الإنسانية. ولحصول دلك وتفعيله، لابد من تحالف كل القوى المتضررة اليوم من مقتضيات وإجراءات وفصول وبنود وقوانين وتنظيمات الديموقراطية الرأسمالية؛ فهده الأخيرة ليست الإطلاق المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية (فوكوياما...الخ) وإنما هي عملية؛والقول بأنها عملية يعنى أنها عملية تتضمن التناقضات التي حكمها منطق الصراع المادي الجدلي التاريخي؛ كما أنها تعنى التجاوز لكل العقبات التي تعيق تحقيق الديموقراطية العلمية باعتبارها الهدف الأسمى للإنسانية. وبالعلاقة مع دول الجنوب،سنطرح تجربة متميزة من الديموقراطية وهى التجربة الديموقراطية المباشرة في الجماهيرية الليبية؛ فهده التجربة الفريدة من نوعها في العالم لم تحظ بالاهتمام ألدى تستحقه كتجربة نظرا لمواجهتها اقتصاديا وسياسيا وإعلاميا من طرف النظام الرأسمالي ألدى تعد بمثابة النقيض له. ومعلوم أن الديموقراطية المباشرة ترتبط عضويا بمبدأ الاستقلال الجات ألدى تحدد حمولته في القول في قدرة الإنسان على التكوين الداني وكدا الوعي الداتى وبالتالي قدرته على النقد والفرز والاختيار العقلاني بين مختلف الإمكانات وهو ما يعنى التحمل الواعي لمسؤولية الاختيار؛ وهده العمليات لئيمكن أن تحدث إلا إدا كانت شروط تحقيق دلك متوفرة كالمساواة والعدالة والحرية؛ وبلغة أخرى، فالديموقراطية المباشرة كنظام سياسي تعنى فسح المجال لتعامل الإنسان بحرية واعية مع دانه باحترام طبيعة قوانينها دون الشعور بمراقبة سلطة خارجية،إنها ديمقراطية الانضباط. هدا التصور،كي يتحول من تنظير مجرد إلى ممارسة فعلية على أرض الواقع، هو في حاجة إلى أجرأة الديموقراطية المباشرة وهى عملية لم تتمكن التجارب السابقة من تحقيقها وترجمتها على مستوى مجتمع يتميز بكثافة سكانية كبيرة؛ ومن هنا تأتى أهمية التجربة الليبية التي استفردت بهدى الانجاز ألدى عمل على تحديد بنيته النظرية والعملية الرئيس معمر القافي في مؤلفه: الكتاب الأخضر. لقد استوعب القدافى كلا من الأطروحات الفوضوية واليسارية الجديدة والماركسية والقومية والإسلامية ليصل إلى تأليف متميز سماه بالديمقراطية الجماهيرية. ومن ضمن ما قرره القافي في نظيرته ها ضرورة تقليص دور الدولة إلى الحد الأدنى في اتجاه إلغائها فيما بعد لأنها آلية تقوم على المركزية التي تتحدد طبيعتها في القمع وممارسة الاستبداد وبالتالي استبعاد الشعب من المشاركة في كل العمليات التي من المفروض إن تصدرعنه إدا أردنا أن نجعل منه شعبا قادرا ومتمكنا من ابتكار الآليات والأشكال الأكثر نجاع لممارسة حكمه الداني وبالتالي الحماية المباشرة لإنسانيته حيث الأهداف العامة عوض الخاصة، والإخلاص للوطن عوض المصلحة، والمواطنة عوض الانتهازية. وتكدا فقد دعا القافي إلى تهديم الآلية البرلمانية وإحلال الديموقراطية المباشرة محلها حماية لحرية وصياد الجماهير الليبية؛ يقول القافي:"أداة الحكم هي المشكلة السياسية الأولى التي تواجه الجماهير البشرية...إن كافة الأنظمة السياسية في العالم الآن هي نتيجة صراع أدوات الحكم على السلطة... ونتيجته دائما فوز أداة الحكم، فرد أو جماعة أو حزب أو طبقة...وهزيمة الشعب، أي هزيمة الديموقراطية"1؛ ويتابع القافي قائلا:"إن المشكل المستعصي في قضية الديمقراطية هو أداة الحكم الدية عبرت عنه الصراعات الحزبية والطبقية، وما ابتداع وسائل الانتخابات والاستفتاء إلا تغطية لفشل تلك التجارب الناقصة... أدن الحكم يكمن في إيجاد أداة حكم ليست واحدة من كل تلك الأدوات محل الصراع... بل أداة حكم هي الشعب كله، وليست ممثلة عنه ولا نائبة...، وأدا أمكن إيجاد تلك الأداة ،إذن انحلت المشكلة وتحققت الديموقراطية المباشرة...هده النظرية الجديدة تقوم على أساس سلطة الشعب دون نيابة أوتمثيل... وتحقيق ديموقراطية مباشرة بشكل منظم وفعال غير تلك المحاولة القديمة للديموقراطية المباشرة المفتقرة إلى إمكانية التطبيق على أرض الواقع والخالية من الجدية لفقدانها للتنظيم الشعبي" 2.إن التنظير لها وأجرأتها لممارسة فعلية على أرض الواقع،تقتضي تحويل وتحديد بنيتها بالشكل اليد يعطي الشعب،إجراء وممارسة، حكم وتدبير شؤون ذاته بذاته. فبنية الديموقراطية المباشرة هده تتشكل من الوحدات الأساسية المسماة بالمؤتمرات الشعبية التي تعني، حسب القافي أن الشعب ،أي شعب مهما كان عدده، يستحيل جمعه دفعة واحدة ليناقش شؤونه العامة ويقرر سياسته الداخلية والخارجية،فإن الحل يكون بتقسيم الشعب لظروف جغرافية أو عددية إلى مجموعات؛ وتسمى هده المجموعات: مؤتمرات شعبية أساسية يختار كل مؤتمر شعبي أسلسي أمانة له، ويختار لجانا شعبية إدارية تحل محل الإدارة الحكومية فتصبح كالمرافق في المجتمع تدار بواسطة لجان شعبية، وتكون اللجان الشعبية التي تدير المرافق مسئولة أمام المؤتمرات الشعبية الأساسيةالتي تملي عليها وتراقبها في تنفيذ تلك السياسة. فالمؤتمرات الشعبية تقرر واللجان الشعبية تنفد هده القرارات، ويهدا تصبح الإ دارة شعبية والرقابة شعبية. وينتهي التعريف البالي للديموقراطية الذي يقول بأن الديموقراطية هي رقابة الشعب على الحكومة ليحل محله التعريف الصحيح وهو أن الديموقراطية هي رقابة الشعب على نفسه. ومعلوم أن المؤتمرات الشعبية الأساسية هي التي تحدد كلا من أمين المؤتمر الشعبي الأساسي والأمين المساعد له وأعضاء الأمانة(أمانة المؤتمر الشعبي الأساسي). وتحديد البنية بهدى الشكل يخضع لعمليات تنظيمية يحددها القدافي في كون أن المؤتمر الشعبي الذي حدد هده الأمانة هو الجهاز المسئول الذي له شرعية إسقاطها متى توفرت له الحجج المادية على دلك وبالتالي فسلطة محاسبته تبقى لهدا المؤتمر ألدى يحاسب الأمانة الإدارية باعتبار كون مهامها هي مهام إدارية صرفة، خاضعة لرقابة المؤتمر الشعبي الأساسي. وتتكون بنية الديموقراطية المباشرة كذلك من مؤتمر الفرع البلدي الذي يتوصل بالمواضيع التي وافق عليها المؤتمر الشعبي الأساسي من طرف أمانته ودلك لأجل التنسيق بين مقترحات كل المؤتمر الشعبية الأساسية التابعة للفرع حيث يعيد مؤتمر الفرع إعادة صياغة كل مقترحات المؤتمرات الشعبية الأساسية ليحذف القضايا المكررة ويوحد القضايا المتشابهة ويبرز المقترحات الاستثنائية. كما أن هده الديموقراطية المباشرة الجماهيرية الليبية تتكون أيضا من المؤتمرات الشعبية غير الأساسية التي تتكون من مجموع أمانات المؤتمرات الشعبية الأساسية المنظمة وفق قرارات المؤتمرات الشعبية الأساسية.هدا وبما أن هده الديموقراطيةالمباشرة الجماهيرية الليبية المنظمة في فروع البلديات، فإن دلك يعني انعقاد المؤتمر الشعبي للبلدية بين أمانات المؤتمرات الشعبية الأساسية وأمانات الفروع البلدية وأمناء اللجان الشعبية النوعية والمهمة التي تتحملها المؤتمرات الشعبية غير السياسية هي العمل علي صياغة قرارات المؤتمرات الشعبية الأساسية والسهر على متابعة تنفيذها واختيار ما يسمونهم"أمناء اللجان الشعبية من المصعدين من المؤتمرات الشعبية الأساسية" ومحاسبتهم. وهكذا يتضح لنا أن المؤتمرات الشعبية غير الأساسية على مستوى الفروع والبلديات هي لجان صياغة قرارات المؤتمرات الشعبية الأساسية وإحالتها بعد دلك إلى مؤتمر الشعب العام الذي يتولى صياغتها الصياغة النهائية؛ وبدلك يرى معمر القافي أن المؤتمرات الشعبية غير الأساسية "هي الشعب كله، هي القوة المشروعة التي تحدد وتبني جدول الأعمال السنوي للجماهيرية ككل؛ فهي الساحة التي يمارس فيها الشعب إدارته وسلطته والصلاحيات التي خولها بنفسه لنفسه وبالتالي هي التي لها صلاحية تحديد وتحميل اللجان الشعبية مسؤولية تنفيذ حاجياتها ومتابعة مراقبة دلك وإسقاطها عند ثبوت انحرافها مع محاسبتها وإحلال لجان شعبية جديدة مصعدة لها إدارة وقدرة التنفيذ ومحاسبة كل اللجان الشعبية من لجنة المحلة إلى اللجنة الشعبية العامة وفق جدولة محددة"3. ورفعا لكل التباس،يقول القافي، فإن أعضاء هده اللجان الشعبية هم أفراد كسائر أفراد المؤتمرات الشعبية الأساسية اختارتهم تلك الجماهير وحملتهم مسؤولية التدبير الإداري في تحقيق وتنفيذ وتصريف قرارات المؤتمرات الشعبية الأساسية؛ وكلما قصروا في أداء المهام الموكولة إليهم، يحاسبوا ويعاقبوا ويتم تصعيد لجان أخرى أخرى بمعنى أن السلطة كل السلطة هي" للجماهير الشعبية في مؤتمراتها الشعبية الأساسية"؛ كما أنه يجب الإشارة إلى أن بنية هده الديموقراطيةالمباشرة الجماهيرية الليبية تحتوي كذلك المؤتمرات المهنية والإنتاجية. يقول القافي:" وبماأن المواطنين جميعا الدين هم أعضاء في المؤتمرات الشعبية الأساسية ينتمون وظيفيا أو مهنيا إلى فئات مختلفة، لدا عليهم من هده الناحية أن يشكلوا مؤتمرات شعبية مهنية خاصة بكل مهنة أو وظيفة. يناقش أعضاء المؤتمر المهني المواضيع التي تهم الفئة التي يتكون منها هدا المؤتمر المهني،أما الأمور العامة التي تخص كل أفراد المجتمع فيتم مناقشتها في المؤتمر الشعبي الأساسي. تحيل أمانات المؤتمرات المهنية قرارات مؤتمراتها إلى المؤتمرات الشعبية الأساسية لإكسابها الشرعية السياسية لأن السيادة في المؤتمر الجماهيري تكون للمؤتمر الشعبي الأساسي ولا سيادة لسواه"4. هده هي بنية الديموقراطية المباشرة الجماهيرية الليبية التي ترفع شعار: السيادة كل السيادة للشعب، ولا أحد غير الشعب، فإما أن يمارسها هو وإما أن يمارسها غيره؛ فإن مارسها هو تكون السيادة كاملة وحقيقية، وإن مارسها غيره تكون فاسدة وغير مشروعة.يقول القافي:"إن انتصار أداة حكم ووصولها إلى السلطة يعني هزيمة الجماهير الشعبية وبالتالي هزيمة الحرية والديموقراطية، لأن انتصار أداة حكم يعني قيام الدكتاتورية مهما كانت هده الأداة صديقة للجماهير.أما إدا انتصرت الجماهير فإن دلك يعني انتصار الديمقراطية"5.إن الدرس السياسي الأساسي الذي يجب الإنتباه إليه في التجربة الديموقراطية المباشرة الجماهيرية الليبية، هو أن ترجمة تلك التجربة إلى ارض الواقع لم تكن رهينة بالتغيير الدستوري والقانوني، بقدر ما كانت،حسب القافي، رهينة التغيير الشامل والشمولي المتجسد في المصلحة العامة من حقوق وحريات وواجبات...الخ وتمكينها كتجربة من تحصين ذاتها ضدا على كل قوى الاستبداد، التحصين بتنمية الوعي الجماهيري والشخصية القوية المبادئ دون إهمال الجوانب النفسية من ميول ودوافع وحاجيات وأخلاقيات يصعب بناء الديموقراطية المباشرة دون استحضارها وتعزيزها بفعل المناقشة المباشرة والعقلانية والممارسة الفعلية والتقييمية في شتى أشكالها. إن شخصية جماهيرية بناءة من هدا النوع لايمكن أن تنشأ وتتكون وتشتغل بحرية ومسؤولية وقناعة ذاتية، وشعور نامي بالمسؤولية العامة إلا في ظل شروط ملائمة لدلك تستحيل خارج الديموقراطية المباشرة، ففي حقل هده الأخيرة يصبح المواطن في ظل وضعية المسؤولية المباشرة، وضعية"الوجهّ-للوجه" داخل المؤتمرات الشعبية الأساسية حيث المناقشات الحرة والتفاعل الإنساني المثمر والبناء. وبالفعل فقد تمكن القافي من التحديد النظري والفعلي لإرساء قواعد هده الديمقراطية المباشرة علي أرض الواقع والارتقاء بها إلى نظام سياسي تدل كل مجمل المؤشرات والأبحاث الراهنة بأنه النظام الذي يسير في اتجاهه تاريخ مستقبل البشرية تطويرا وتعديلا وإغناء وتجاوزا وصيرورة. يقول القافي عن راهنية هدا النظام الديموقراطي المباشر والجماهيري في شكله ومضمونه الليبي: فالمؤتمرات الشعبية هي التي تقرر في كل ما يتعلق بالسياسة العامة للمجتمع، واللجان الشعبية هي التي تنفد هده السياسة، وبدلك يتحقق الشكل الديمقراطي تطبيقا للمقولة الخالدة" لاديموقراطية بدون مؤتمرات شعبية" ويصبح الشعب نتيجة لدلك رقيبا على نفسه قادرا على معالجة كل انحراف عن شريعته الطبيعية عن طريق المواجهة الديموقراطية"6. بصفة عامة،إدا كان منظرو الديموقراطية الرأسمالية المتوحشة يربطون الديموقراطية بحتمية السوق الحر الذي أفرز ديمقراطية توجت راهنا بالأزمة الخانقة خصوصا في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين،فإن على منظري الديموقراطية الاشتراكية الجماهيرية العمل يشكل جبهوي ومسئول للتعجيل بتحقيق المشروع الديموقراطى الاشتراكي الجماهيري بالانتقال إلى مرحلة التحقيق الفعلي الذي يجب أن تتشكل مكوناته الأساسية من العناصر التالية: القوى الاشتراكية، السوق الاقتصادي، الديمقراطية كتنظيم جماهيري، جدلية الوطني والعالمي في اتجاه التأسيس للعالمية الاشتراكية الجماهيرية لإمكان تحقيق عدالة أكبر ومساواة أنجع وحريات أعمق.

محمد بوجنال

مفكر مغربي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire