vendredi 29 juillet 2011

ظاهرة الشمكارة في المغرب الحلقة الثالثة:"الشمكار بالحزب

من المسلمات المعروفة أن تأسيس الأحزاب هو عملية تهدف مبدئيا خدمة الشعب بالأساس. وخدمة الشعب تقتضي الحرص على حماية سيادته ، والسيادة تلك تترجم في بناء دستور مرجعيته الشعب؛ دستور فيه يتم تحديد النظام السياسي ودلالة الانتخابات البرلمانية والجماعية وكذا آليات ممارسة ذلك وضبطه بالشكل الذي يتحمل فيه الشعب مسئوليته تأسيسا وتنظيما وممارسة وتشريعا وتنفيذا وعدلا. فهل الأحزاب السياسية المغربية تتوفر على منخرطين يؤمنون فعلا بتحقيق هذه القيم التي هي بالكاد قيم الشعب التي تدافع عنها حركة 20 فبراير؟ بطبيعة الحال، فالجواب لا يقتضي بدل مجهود أكبر للقول صراحة بالنفي. فالأحزاب السياسة المغربية هيكليا وتنظيميا، نظرا لطبيعتها الإدارية واليمينية والإصلاحية تآمرت فيما بينها ومع المخزن ضد مصالح الشعب؛ فأعضاؤها لا يهمهم سوى مصالحهم الخاصة التي تتمثل في الاستحواذ على ممتلكات الشعب وقبة البرلمان والجماعات المحلية وحصولهم، بالانخراط في الأحزاب تلك، على الحصانة والتجبر والمناعة. لذا، نجد أن الأحزاب السياسية تلك يسيرها مكتب وطني"شمكار" يترأسه أمين عام "شمكار" ويتشكل من مجالس وطنية وإقليمية وفرعية ليست سوى نماذج من "الشمكارة"؛ فكل هؤلاء يتقاطعون حول قاسم مشترك واحد وواضح: البحث بشكل قذر عن كل أشكال "الوزيعة"-الكعكة – والانتعاش بروائحها الوسخة بمعنى الحصول على القدر الممكن من الكعكة أو الذي تسمح به ظروف باقي "الشمكارة". فالمبدأ هو الاستحواذ على القدر الأكبر من ممتلكات وأموال الشعب معتمدين داخليا صراعات تعتبر ثانوية، لتتناسى ذلك وتتلاحم فيما بينها كلما أحست بخطورة حركية ومطالب الشعب." فالشمكار" بالسياسة لا يفكر في مصلحة الشعب ولا يعترف بوجوده اللهم على مستوى الواجهة في محاولات منهم إخفاء حقيقة سلوكهم وتفكيرهم وممارساتهم. فالمؤكد أن هذا النوع من "الشمكارة" يحصل دوما على التزكية بالرشوة وينظم حملاته الانتخابية معتمدا إرشاء نوع آخر أدنى من" الشمكارة" – سنأتي في حلقة مقبلة على طرحه- بتنظيم الحفلات والأكل والشراب وأداء الثمن المطلوب في السوق. فهذا "الشمكار بالحزب"، الذي هو بالصفة والفعل عضوا من أعضاء الحزب، هو النموذج المرغوب فيه والناجح من حيث المنهجية والتصور والممارسة في نظر باقي "الشمكارة بالحزب"؛ أما الشعب فهو عبارة عن كائنات بشرية لا تطالب ، في نظره، سوى بقدر من الدراهم وكذا الإطعام والشراب؛ فثمن الصوت لا يساوي سوى هذه المطالب التي يجب استغلالها للفوز في الا نتخابات الذي كلما حصل تم نسيانه كشعب حيث ينتقل الشمكار ذاك إلى مرحلة الاهتمام والتسابق للنيل بحصته من المشاريع والبرامج من ميزانيات وممتلكات وصفقات وأشكال من التحالفات لتمرير المشاريع ونهب المال العام.

وهذا يفرض علينا طرح السؤال: والدستور ، من خلال ما رأيناه عن "شمكارنا "العزيز، ما محله من الإعراب؟ ألا يعتبر في ظل هذا الوضع وثيقة مزورة على مستويي الشكل والمضمون؟ هل من المنطقي أن يتضمن الدستور المغربي الذي دافع عنه "الشمكار بالحزب" القوانين الكفيلة بحماية ميزانيات وممتلكات الشعب؟ وهنا نكون أمام ضرورة استدعاء"الشعب" لنقف على حقيقة أن الدستور لم يكن في يوم من الأيام من تأسيسه وإنتاجه ؛فالشعب ذاك لا يتم استدعاؤه إلا لإلباسه لباسا ليس لباسه؛ بمعنى أن المخزن ومحيطه هو الذي يطرح ويقترح ويناقش ويحدد شكل ومضمون الدستور المغربي الذي يحبده المخزن وبالتالي فأية حركية أو انتفاضة شعبية مطالبة بحقوقها تعتبر ،بإجماع المخزن و"الشمكارة بالحزب" بمثابة فوضى وخرق للقوانين الجاري بها العمل؛ أو قل تعتبر المطالب والانتفاضات تلك بمثابة تهديد لاستقرار البلد حيث تعطى الأوامر لنوع آخر من" الشمكارة"-الدوائر الأمنية والاستخباراتية- بالتدخل لحماية أمن واستقرار المخزن. هل بكذا بناء ومعنى هو الدستور الذي يشترط فيه أن يكون حاميا لمصالح الشعب في المغرب؟ كيف يمكننا الكلام عن القوانين الدستورية ودستورية القوانين والقوانين السياسية والقوانين التنظيمية والأعراف وسياسة المركزية واللامركزية واللاتمركز في غياب الاعتراف بوجود "الشعب" وبالتالي حقه في المشاركة وإبداء الرأي في كل القوانين والإجراءات المنظمة للانتخابات والمراقبة وحق الإقالة...الخ؟ فهذا الطرح الشعبي هو الطرح الذي يجب أن يتضمنه الدستور لأنه لا دستور إلا بالشعب، ولا ديمقراطية إلا بالشعب ولا متبعة إلا بالشعب ، ولا محاسبة إلا بالشعب، ولا تغيير إلا بالشعب، ولاتعديل إلا بالشعب؛ وغياب كل هذا معناه الاستهتار بحقوق الشعب ومعاملته كبضاعة أو قل كسلعة يباع ويشترى فيها بأسعار لاتختلف عن أسعارالبطاطيس والطماطم والفلفل والأواني والأحذية...الخ. فبرامج هذه الأحزاب المسماة سياسية وندواتها ومنتدياتها وجامعاتها الصيفية لا تقوم سوى بتشكيل وتكوين ،لا المنخرط المواطن والمواطني،بقدر ما تقوم في حقيقتها بتشكيل وتكوين"الشمكار بالحزب" تيمنا بمبدأ ضرورة الاحتراس من العدو والنقيض التاريخي الذي هو "الشعب". هذا هو الموقف الذي يفسر لنا العداء الذي يكنه"الشمكارة بالحزب" لحركة 20 فبراير. ومعلوم أن هذه الحركة التي أفرزها الشعب والصيرورة التاريخية تتبنى مبدأ مواجهة وفضح كل أشكال الشمكارة الذين اعتدوا ويعتدون ويريدون الاستمرار في الاعتداء على الشعب والذين من بينهم، كما رأينا، "الشمكار بالحزب" موضوع هذه الحلقة. ولهذه الأسباب حاصرت الأحزاب تلك هذه الحركة تارة بفعل التصريحات المشوهة، وتارة بزرع بيادقها في مسيرات الحركة، وتارة بتجنيد أدنى أشكال"الشمكارة" –الذين سيكونون موضوع آخر حلقة من حلقاتنا حول ظاهرة الشمكارة في المغرب- بممارسة العنف ضد مسيرات الحركة وتارة بمحاولة خلق انشقاقات للحركة من داخلها. كل هذه التمسلكات المخزنية ترعشها وتخيفها حركة 20 فبراير لا لشيء إلا لأنها منبثقة من داخل الشعب ولم تعد تقبل بالوصاية عن الشعب أو دسترة وشرعنة استغلال الشعب.

وعلى الرغم من سيطرة هذه الأحزاب على الموارد البشرية والمالية والمؤسسات الإنتاجية عبر آلياتها و من مختلف مواقعها، فالتاريخ له قوانينه التي تترجم في شكل ما يسمى بالصيرورة التي من أهم منشطيها حركة 20 فبراير وباقي النشطاء والفاعلين الملتزمين بقضايا الإنسان المغربي خاصة والعالمي عامة.

محمد بوجنال

-المغرب-

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire